القائمة الرئيسية

الصفحات

وقفة تأملية في مسار النضال الامازيغي بمناسبة رأس السنة الأمازيغية

وقفة تأملية في مسار النضال الامازيغي بمناسبة رأس السنة الأمازيغية 

   لقد أضحى الوقوف و الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة الذي يصادف اليوم الثالث عشر يناير من السنة الميلادية عرفا منذ القدم لدى الشعب الأمازيغي في مختلف بقاع ثمازغا(شمال إفريقيا) باعتبارها إحدى المحطات التاريخية الموشومة في ذاكرته (رغم قلة الأبحاث و الدراسات في الموضوع)، و التي تؤرخ لبسالة إمازيغن وتضحياتهم من أجل الكرامة والحرية، هذه المحطة التي جسدوا من خلالها وعبر التاريخ قيم ثيموزغا في مواجهة كل أشكال و انواع الاستعمار سواء كان عسكريا أو ثقافيا و كل أعداء الحرية، و هي محطة  للتعبير الصريح عن تشبث امازيغن بالأرض و خيراتها من خلال الطقوس المرتبطة بهذا التخليد و التي رغم اختلافها من منطقة لأخرى حسب اختلاف المأكولات و الوجبات التقليدية المتعارف عليها و التي تختلف باختلاف المناطق و بأنواع المحصولات المنتجة بها، إلا أن امازيغن اعتبرو و لا زال يعتبرون رأس كل سنة امازيغية جديدة يوما متميزا في حياتهم فهو يمثل نهاية مرحلة و الشروع في مرحلة جديدة يأملون أن تكون أفضل من سابقتها لذلك دأبوا على الاحتفال بحلول كل سنة جديدة التي تصادف شهر يناير من كل سنة و هو ما يعرف ب " يان يور" و هي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين "ين" أي واحد و "يور" أي الشهر بمعنى أن العبارة تعني الشهر الأول ، فيسمى اليوم الأول " ءيخف ن أوسكاس " أي رأس السنة، أما ليلة السنة الجديدة فتسمى "ءيض ن اوسكاس" و هي كلمة مركبة من "ءيض" و تعني الليلة و أسكاس تعني السنة، و يطلق عليهما كذلك " أذاف أسكاس" أي دخول السنة الجديدة أو " ءيض ن نير" أي ليلة يناير أو أمغار أو حكوز أو حكوزة( العجوزة : و يقصد بها الليلة الأخيرة من السنة المنصرمة) و بالتالي يعني أول الشهور في التقويم الأمازيغي.

   إن التخليد أو الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من قبل امازيغن و مكونات الحركة الأمازيغية على المستوى الوطني هذه السنة استثنائي على اعتبار أن الدولة المغربية قد صرحت بجعل هذا اليوم عيد وطني رسمي، مما يستوجت على إمازيغن  فتح نقاش حقيقي و مسؤول لتقييم الوضع الراهن و ما آل إليه الفعل النضالي الامازيغي ، فرغم المسار الطويل من العمل و النضال إلا أنه لم يستطع ايمازيغن النجاح في  بلورة أو تأسيس و لو تنظيم سياسي قوي واحد يستجيب لطموحات ومتطلبات النضال الأمازيغي ، وكان دائما الفشل والتعثر التنظيمي في ايجاد مخرج لتأزم الفعل النضالي هو السائد، و ليبقى السؤال القديم الجديد يا ترى ما سبب فشل و تعثر كل الاشكال أو المحاولات التنظيمية التي عرفها المسار الطويل للفعل النضالي الامازيغي؟...

    و عليه  و أمام تعدد واختلاف وتنوع الرؤى و المقاربات واتجاهاتها ومذاهبها، أصبح  من الضروري و بشكل  ملح تجديد الخطاب الامازيغي و التفكير و السعي بكل جرأة إلى  ابراز هذا الاختلاف والتنوع في المشارب و المقاربات و الدفع بالفعل النضالي الأمازيغي إلى الأمام لتقوية و إغناء الرصيد النضالي للحركة الأمازيغية من خلال فعل نضالي جاد و مسؤول يستشرف المستقبل و يتجاوز فيه اللحظات السلبية العقيمة المتسمة بالسب و الشتم و نشر الإشاعات و إيقاظ النعرات القبلية التي مافتئ أعداء القضية يذكيها ويعمقها، و بالتالي أصبح الاجتهاد ضرورة تاريخية من أجل خلق آليات تنظيمية قادر على الاجابة على تطلعات ايمازيغن على اختلاف مستوياتهم  الاجتماعية والاقتصادية و الفكرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحركة الأمازيغية اليوم أصبحت تعيش مرحلة حساسة ودقيقة نتيجة تكال  قوى عديدة و متعددة عليها وبمحاولات متجددة رامية إلى تدجينها واختراقها واحتوائها من خلال تسخيرها لمجموعة من الجهات ذات أجندة سياسية مكشوفة ومعلومة وذات ولاءات لتنظيمات حزبية معروفة في محاولة لإيهام إيمازيغن أنها جاءت من أجل لم شملهم، في حين أنها جهات يعرف الكل تاريخها وعلاقتها المشبوهة والمكشوفة ، بل هي نفسها التي فوتت فرص عديدة لتجميع إيمازيغن، إن هرولة هذه الجهات الفاقدة لأي بوصلة سياسية أمام كل فرصة لامازيغن للبناء و لم الشمل، ما هي إلا من أجل الظفر ببعض المقاعد في بعض المجالس من قبيل المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية، والمجلس الأعلى للشباب و كذا بعض الكراسي الجامعية... على غرار ما قام به البعض منهم بالأمس في فترة تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

     وأمام هذا الوضع، فإنه يتحتم على الحركة الامازيغية و خاصة كل مناضلي القضية الأمازيغية المبدئيين، التفكير بهدوء عميق و يقظة من أجل التصدي للهجومات المفضوحة على الإرث النضالي الشريف، والعمل على مواجهة كل الاختراقات ورص الصفوف للتصدي للمخططات التي تحاك ضد القضية الأمازيغية، و البحث و الاجتهاد بكل جرأة عن بدائل تنظيمية فاعلة ذات مقومات ومقاييس واضحة ومحددة تقطع مع الأساليب القديمة وتهدف إلى تجديد الخطاب و أدوات النضال الأمازيغي، لبناء ذوات قوية وفعالة، تتوخى التأثير في المشهد السياسي والثقافي والحقوقي بالمغرب، كحركة مجتمعية جماهيرية و مستقلة تلبي تطلعات إمازيغن، باعتبار النضال المستقل والمنظم هو السبيل الوحيد لتحقيق المطالب العادلة والمشروعة التي لا تقبل التجزيء وفي مقدمتها إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية المتجذرة في التاريخ.

    و بمناسبة تخليد أو الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة لا يسعنا إلا نلفت انتباه  مناضلي الحركة الامازيغية أننا اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى  للنظر إلى عمق الاشكالات الحقيقية و الضرورية و البحث عن الإجابات التي يمكن أن تخدم جوهر القضية الأمازيغية و التأسيس لخطاب أمازيغي جديد يقطع مع التراكمات السلبية و الاخفاقات التنظيمية المتكررة و التطلع إلى المستقبل بحس نقدي من خلال القيام "بثورة" إن صح التعبير داخلية ذاتية تتأسس على حصيلة نقدية موضوعية للفعل الامازيغي عبر المسار الطويل وتنتصر للواقيعة و العقلانية و تأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة و التحديد الدقيق للإمكانيات و القدرات من أجل تسطير الأهداف و المرامي بشكل أكثر جرأة و إجرائية و بالتالي وضع خارطة طريق لمسار الفعل الأمازيغي بشكل دقيق و واضع للإجابة عن الاسئلة العديدة المؤرقة من قبيل : إلى أين نريد أن نصل بالنضال الامازيغي ؟ و ماهي الاهداف المرحلية و الاستراتيجية ؟  وأي نوع من الاشكال التنظيمية التي يجب العمل داخلها؟ هل الاكتفاء بالأشكال التنظيمية التقليدية أي الجمعيات التي حملت في البداية هم النضال على القضية الأمازيغية، ؟ أم الانتقال إلى تأسيس حركة أو حركات سياسية مثلا قادرة على التأثير في المشهد السياسي والثقافي والحقوقي بالمغرب..؟

     و في الأخير، و تأكيدا لمسبق فالمرحلة تستوجب فعلا البحث بكل جدية و مسؤولية عن آليات جديدة تمكن الحركة الامازيغية من تجاوز الوضع غير الصحي الذي تعيشه ، والتطلع إلى غد أفضل ينصف القضية الأمازيغية في كل تجلياتها.

بقلم الأستاذ خالد أبرقاش

تعليقات

التنقل السريع