القائمة الرئيسية

الصفحات

الدلالات الرمـزية للرقـص الريفي (الجزء الأخير)

 

بقلم الأستاذ   محمد قروق كركيش

المحور الخامس : الدلالات الرمـزية للرقـص الريفي بالمغرب

        إن الغناء والرقص ومختلف الفنون ملتصقة بحياة الأمازيغ بصفة عامة، وحركاتهم ومناشطهم الحياتية كلها، مما جعلها في نفس الوقت مشحونة الدلالة قوية المعنى عميقة المضمون، وتعبر عن مضاربها المختلفة المادية والروحية والعاطفية تعبيرا أمينا، ورفع قدرتها على الأداء والتبليغ إلى مستوى الأمانة والدقة والأصالة، كل هذا أضفى عليها طابعها الشعبي وميزاتها الفطرية الجميلة وقوتها المؤثرة الساحرة .

     فالحركات أو الرقصات بطبعها مشحونة ويعبر عنها بكل الجسم أو بعضه، فنجد الرقص والإيماءات والإيقاع، مسائل كلها حاضرة في الحياة اليومية ومضارب العمل، وفي كل حركات الإنسان وإبداعاته من أجل التسامي وإضفاء المدلول الحركي الفاعل على علائقها ومطامحها وأخيرا من أجل تسجيل حركات النفس ونبضات الوجدان الداخلي وترسيم الشحنات الكهربائية أو الكهرو-عاطفية التي تشحنها الأحداث والمشاهد والمواقف والرؤى في لوحات الإحساس الباطني في أعماق الأعماق، يتم تسجيل كل ذلك في شريط المواقف وردود الأفعال وفي نبضات وحركات ورموز عدية لها من الدلالات الشيئ الكثير والمعنى العميق .

      حيث أن كل ما يعبر عنه في إطار الرقص ما هو في الحقيقة إلا عملية لإعادة إنتاج كل ما هو ثقافي واجتماعي داخل القبيلة أو الجماعة؛ من عوائد الحياة و ضرورات العمل وتعبيرات الفرح والحزن والشقاء وغيرها من الدلالات العميقة التي تضمر في غياهب الفن والتي تدل على معاني متعددة منها الهوية الجماعية .

       إن مجمل الاحتفالات التي يحتفل بها الأمازيغ بصفة عامة تعود إلى مجموعة من الدلالات والمرجعيات، أولها ما كان يراد به التضحية من أجل الإله والتي كانت تصاحبها مجموعة من الرقصات والتموجات، وإذا علمنا أن الديانات الوثنية كانت مهيمنة منذ القدم، فإننا نجد رمزية العبادة واضحة جدا ، مرجعيات أخرى نجدها في الإرث المشترك بين الأمازيغ والحضارات الأخرى وخصوصا ما فعله الرومان والفينيقيون، وفي بعض النقاط الأخرى إغريقية، إذ أن المشترك والاحتكاك أغنى هذه الثقافة، لذلك فإننا نجد مختلف الرقصات تعبر عن البعد الحربي الذي كانت تتعرض له، وما دامت منذ القدم تدافع عن الأرض فإن رمزية الرقصات كانت حربية بامتياز .

        يمكن الكلام كذلك عن الحفلات " التي سميناها موسمية والتي استمرت في تعيين عند أغلب الأمازيغ أهم تغيرات السنة ، لقد رأينا ، ليس عن غير حق ، أثار عبادة طبيعية ، يمكن أن نربطها ببقايا طقوس فلاحية ، هكذا تبدو ضاربة في القدم وأنها مورست من دون تدخل، فلا يتم الاحتفال الأساسي هو الذي يهم يناير وهو حاسم بالنسبة للسنة " معنى ذلك أن العبادة الطبيعية تمثلت في محاكاة المسارح الطبيعية للعمل من حقوق ومزارع، إننا نقول في النهاية أن الدلالات الرمزية للرقص تعبر :

عن الطبيعة والجغرافية المجالية للريف .

تحاكي الأحداث والتاريخ المحلي .

تعبر عن مضمون الجماعة والمشترك .

تتمثل الطقوس والعادات والتقاليد والأعراف الريفية .

تحاكي الزرع والحقوق والمزارع في تموجاتها .

خلاصـــــــــــــة عامـــــــــــة :

              إن ما نخلص إليه أن المجتمع الريفي تعرض لكثير من التغيرات، حكمتها ظروف متعددة كان النصيب الأكبر فيها للاستعمار الذي قضى على كثير من معالم ثقافتها، ثم إلى عامل الزمن حيث لم يعد المجتمع الريفي الأمازيغي ذلك المجتمع الذي يضم من الرقصات الإبداعية والفنون الشيئ الكثير، إننا نتساءل عن مجموعة من الموروثات الثقافية التي كانت سائدة، أين حلت ؟ وماذا حصل لها ؟ وكيف حدث أن اندثرت ولم يبقى لها وجود ؟ سيما إذا علمنا أن الحضارة الأمازيغية كانت ثقافة متنوعة لها من الرصيد المعرفي والتاريخي ما يؤهلها لتكون قطب السيطرة .

      إن ما نريد قوله أن الرقصات التي قمنا بتبيانها في هذه الورقة لا تختزل كل ما يوجد في هذا المجتمع إلا النزر اليسير مما يوجد به، بل ما هي إلا موروثات سطحية تظل ظاهرة للعيان، ولو جاز لنا أن درسنا الثقافة الريفية في شموليتها لنعتر على كنوز مهمة رغم أنها لم تعد ممارسة كافتراض بشكل يومي، و كما سبق أن أشرنا، لقد قضت مجموعة من الوضعيات على هذه الثقافة حتى استنزفت قواها ولم تعد تلك الثقافة الغنية التي فيها من الدلالات والرموز والموروثات الجماعية والفردية ما يجعلها قطب رحى الثقافة المغربية بشكل كلي، وأن اقتصارنا على تلك الرقصات هو وقوف عن المادة الموجودة في المراجع والكتب فقط، وهي صعوبة لا ينجو دارس منها أثناء البحث، ولو جاز أن قمنا ببحث ميداني يعتمد الملاحظة المباشرة والمعايشة الميدانية لخرجنا بمجموعة من الرقصات الأخرى التي تبين أن هذا المجتمع غني بما فيه الكفاية وحامل لكثير من العناصر التي تدل على هويته.

*لائحة المصادر والمراجع ( جميع الأجزاء)

أولا : الكتب باللغة العربية

1. أحمد بن خالد الناصري " الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى " ، المطبعة البهية المصرية ، الجزء الأول ، الطبعة الثانية 1340 هــ.

2. حسين عبد الحميد أحمد رشولان : "الفولكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع"، المكتب الجامعي الحديث ، طبعة 1993.

3. الحسن بن محمد الوزان الفاسي " وصف افريقيا " ، الجزء الأول ، ترجمة محمد حجي محمد الأخضر ، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ، دار الغرب الإسلامي ، بيروث ، الطبعة الثانية 1983 .

4. بوخريص فاطمة " أحـــــيدوس " معلمة المغرب ، الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة والنشر ، مطابع سلا ، الطبعة الأولى 1989.

5. جميل حمداوي " أضواء على الفن الأمازيغي بالمغرب " ، دار نشر المعرفة مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، سلسلة المعارف الأدبية ، طبعة 2013 .

6. داﭭ-;-بد مونتگمري هارت " آيت ورياغر" ، الجزء الأول ، ترجمة محمد أونيا وآخران ، نشر جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا ، الطبعة الأولى 2007م .

7. علال ركوك : "الغناء الشعبي المغربي، أنماط وتجليات"، تقديم: سعيد يقطين، مطبعة وليلي للنشر والتوزيع ، طبعة 2000 .

8. عبد الرحمان بن محمد بن خلدون " مقدمة ابن خلدون " ، تحقيق كارتمير ، المجلد الأول ، طبعة 1858.

9. عبد المالك المومني " الجناح الهيمان بنبع رڴ-;-ادة الوسنان " ، منشورات عكاظ ، طبعة 1996 .

ثانيا : الكتب باللغة الأجنبية

1. Basset , H. « Essai sur la littérature des Berbères , paris , Ibis Press Awal , 1er édition en 1920.

2. Moulieras August : « Le Maroc inconnu : Etude géograpphique et sociologique , paris , 1899 .

ثالثا : الندوات والمجلات والدوريات

1. محمد العنياوي : " جراوة " ، عرض بمناسبة الأيام الثقافية الرڴ-;-ادة ، يوليوز 2006 .
2. المصطفى شادلي : مقال " شذرات من الشعر الشفاهي المغربي : البنية والدلالة " ضمن كتاب " الشعر الشفاهي بالمغرب مقاربات ونصوص " تنسيق المصطفى الشادلي ، مطبعة النجاح الجديدة ، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط ، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 136 ، الطبعة الأولى 2006 ، الدار البيضاء-المغرب .

3. الفرقاني محمد الحبيب : مقال " سيمات... وخصائص، وظواهر عامة للأدب الأمازيغي " ، ضمن كتاب : " تسكلان تمازيغت : مدخل للأدب الأمازيغي " ، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ، أعمال الملتقى الأول للأدب الأمازيغي الدار البيضاء في 17-18 ماي 1991 .

4. الثقافة الشعبية بين المحلي والوطني ، منشورات عكاظ ، أعمال الجامعة الصيفية بآكادير- المغرب ، أعمال الدورة الثالثة من 1 إلى 6 غشت 1988.

 

 


تعليقات

التنقل السريع