القائمة الرئيسية

الصفحات

مظاهر ودلالة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أو العام الفلاحي

 


مظاهر ودلالة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أو العام الفلاحي

     يحتفل سكان العالم على اختلاف انتماءاتهم الإثنية و العرقية بدخول رأس كل السنة حسب تقويمهم الخاص، إلا أن أكثر التقويمات شيوعا هو التقويم الميلادي و التقويم الهجري، أما سكان شمال إفريقيا فلهم تقويم خاص بهم يطلق عليه برأس السنة الامازيغية و هو تقويم ضارب في عمق التاريخ والحضارة و يحمل بين طياته دلالات و أبعاد اجتماعية ثقافية متأصلة حيث تعود الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية الجديدة إلى عصور قديمة يصعب التحديد الدقيق لها، و يعتقد الامازيغ أن هذه الاحتفالات قد سبقت صعود القائد شيشونق الأمازيغي الأصل الذي  تولى عرش مصر ، إلا أنه إرتبط بهذه الشخصية التاريخية رمز القوة و السلطة، و أضحى الأمازيغ يستعمل هذا التقويم قبل 950 ق م،  و بالتالي فإن الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة أضحى عرفا منذ القدم لدى الشعب الأمازيغي في مختلف بقاع شمال إفريقيا (ثمازغا) ، كما أصبح في الوقت الراهن من أهم المناسبات التاريخية التي يحتفل بها سكان شمال إفريقيا كنوع من الاستمرارية النضالية الواعية بمدى أهمية استحضار التاريخ الأمازيغي العريق المتجذر المتسم بالبطولات و التحديات.  

      فرغم قلة الدراسات و الأبحاث التي أنجزت حول هذا الموضوع، إلا أن امازيغن اعتبروا و لا زال يعتبرون راس كل سنة امازيغية جديدة يوما متميزا في حياتهم فهو يمثل نهاية مرحلة و الشروع في مرحلة جديدة يأملون أن تكون أفضل من سابقتها لذلك دأبوا على الاحتفال بحلول كل سنة جديدة التي تصادف شهر يناير من كل سنة و هو ما يعرف ب " يان يور" و هي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين "ين" أي واحد و "يور" أي الشهر بمعنى أن العبارة تعني الشهر الأول ، فيسمى اليوم الأول " ءيخف ن أوسكاس " أي رأس السنة، أما ليلة السنة الجديدة فتسمى "ءيض ن اوسكاس" و هي كلمة مركبة من "ءيض" و تعني الليلة و أسكاس تعني السنة، و يطلق عليهما كذلك " أذاف أسكاس" أي دخول السنة الجديدة أو " ءيض ن نير" أي ليلة يناير أو أمغار أو حكوز أو حكوزة( العجوزة : و يقصد بها الليلة الأخيرة من السنة المنصرمة) و بالتالي يعني أول الشهور في التقويم الأمازيغي.

       و يعتبر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة تعبيرا صريحا عن تشبث امازيغن بالأرض و خيراتها و يتجلى ذلك في الطقوس المرتبطة بالاحتفال حيث يتم بالمناسبة إعداد العديد من المأكولات و الوجبات التقليدية المتعارف عليها و التي تختلف باختلاف المناطق و بأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب و خضر و غيرها، و يتم إعداد "امنسي" العشاء احتفاء بالسنة الأمازيغية الجديدة، و الطعام الذي يقدم يجب أن يشكل رمزا لغنى و خصوبة و وفرة المحصول و الذي يختلف من منطقة إلى أخرى في ربوع ثامازغا، ففي قبائل الريف مثلا تختلف مظاهر الاحتفال من منطقة إلى أخرى، فبقبيلة إبقوين يخصص يومين للاحتفال بقدوم السنة الجديدة في اليوم الأول الذي يصطلحون عليه بالريفية ب "أس نثشاريت إينوذا" أي ( يوم ملء الأطباق الكلاسيكية المصنوعة من الحلفاء، و إينوذا جمع أندو أو ثندوت) حيث تملأ هذه الأخيرة بجميع أنواع الفواكه الجافة التي يملكونها أو التي يعمدون إلى شرائها قبل يوم الاحتفال ( اللوز، ثيموياز، التين اليابس، الزبيب، الحمص، الفول، ...)و تقوم النساء بصنع كميات كبيرة من الفطائر ( المسمن و البغرير حطيطاث)، و يتوزع الصبيان إلى مجموعات و يطوفون على البيوت مرددين عبارة : يانوب – يانوب...فتعمد النساء إلى إعطاء كل مجموعة نصيبها من الفواكه الجافة و الفطائر، وقد يقفون أمام منزل يأوي عروسين حديث الزواج فيرددون العبارات التالية : يانوب ، يانوب /أثسريث أنغ انجذيذ/ أو شانا شواي نتريذ/ نيغ أم نعرض ذ كوبريذ، و عندما ينتهي الصبية من الطواف على المنازل يجتمعون في المساء لتوزيع ما جمعوه فيما بينهم. و في اليوم الثاني ، تقوم النساء باعداد وجبة عشاء مميزة، غلبا ما تكون عبارة عن دجاج بلدي...،أما في قبائل الأخرى أيث ورياغل – أيث تمسامان – أيث وليشك – أيث توزين – إقرعيين –أيث سعيذ...فإن عادات الاحتفال تكاد تتشابه فيما بينها ، إذ يتم توفير بعض الفواكه الجافة و خاصة التين و الزبيب و إعداد وجبات من الجبوب و القطاني مثل : ثيغواوين أو ثيموياز التي يتم إعدادها بتحميص القمح أو الشعير و وجبة إمشياخ أو إمشيخن التي تجمع بين القطاني كالعدس و الفول و الجلبان و الجبوب و خاصة الذرة و القمح إضافة إلى الثوم، كما يتم إعداد وجبة البقول إغديون أو  إوذب حسب إقرعيين و ذلك من النباتات التي تكون موجودة في فترة الاحتفال، أما في وجبة العشاء التي تعتبر أساسية، فيتم إعداد عدد كبير من الرغايف أو ثاغفين أو رمسمن و كمية مهمة من التريد و هو نوع من الرغائف الرقيقة و الدائرية و التي يتم طهيها على الترادة التي هي عبارة عن قدر" أقنوش" ( تشبه في طهيها طريقة إعداد ما يسمى بالورقة الخاصة بالحلويات)، كما يتم ذبح ديك بلدي و طبخه في المرق الكثير دون فواكه، و يتم تقطيع مختلف الرغائف التي تم إعدادها في صحن أو قصعة كبيرة لإعداد "أبون أو أرفيس" و يكب أو يفرغ عليها الدجاج المطبوخ بمرقه و لحمه، و إلى هذه الوجبات تضاف في بعض المناطق كتمسمان و أيث توزين ، بعض الفواكه الطرية الموجودة و البيض المسلوق الذي يوضع فوق الرفيس. أما في قبيلة أيث ورياغل فيمكن ذبح أكثر من ديك إذا كانت العائلة ميسورة، ويوضع إلى جانب المأكولات السابقة الذكر اللبن وخاصة لبن الماعز الذي يكون في هذه الفترة من السنة موجد بكثرة بخلاف حليب الأبقار الذي لا يتوفر بكثرة عند حلول السنة الأمازيغية.

       أما بقبائل الأطلسين الصغير والكبير فيبدأ الاحتفال بتبادل السكان خلال هذا اليوم التهاني و التحيات، وغالبا ما يكون الاحتفال مشتركا بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل جماعي فقرات من الرقص والغناء، وتطبخ النساء شربة “ؤركيمن” التي يستعمل فيها جميع أنواع الحبوب والقطاني التي أنتجتها الأرض خلال تلك السنة، ويحرصن على الانتهاء من طهيها قبل غروب الشمس، وذلك قصد توزيع جزء منها على أطفال القرية أو الحي، هؤلاء الذين يطوفون على البيوت مرددين بصوت واحد ( ؤوركيمن، ؤوركيمن، ؤوركيمن…)، وتعتبر هذه الشربة من الوجبات الضرورية التي يجب على كل أسرة أن تتناولها في ليلة رأس السنة،  و يقومن النسوة  بتهيئ الكسكس بطريقة تقليدية تسمى “طْعَام نُ فُوسْ”، وتتكون عناصره من دقيق القمح أو الشعير والماء والملح، ويتم اعداده من جميع أنواع الحبوب المعروفة في المنطقة، تيمنا بسنة فلاحية جيدة وتتكون وسائل الإعداد من الغربال و”أكَرا” أي الكسكاس المصنوع من الطين و”اسمسل” وإناء معدني يسمى بالامازيغية لدى قبائل الاطلس “أيت يحيى” “تاسيلت نْ سبْعْمعَاد"

       ففي قبائل دادس وإيمغران وتدغت وأيت عطا مثلا، تقوم النساء يإعداد طبق كسكس يسقى من مرق مكون من اللحم وسبع خضر أو أكثر، يضعن فيه نوى تمر واحد، يعتقدن أن من يجد هذه النوى أثناء الأكل سيكون سعيدا ويعتبر المحظوظ والمبارك فيه خلال السنة. ومن الأقوال المأثورة أيضا عند سكان هذه القبائل أن من لم يشبع من الطعام في ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة تلك السنة. ومن جملة هذه المعتقدات كذلك أنه إذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة.                                                   

    أما في منطقة حاحا فإن النساء يقمن خلال ليلة رأس السنة بوضع ثلاث لقمات قبل النوم في سطوح المنازل، ورقم ثلاثة يرمز إلى الشهور الثلاثة الأولى من السنة: يناير، فبراير ومارس، واستدرارا للمطر يرشن من بعيد المكان الذي وضعت فيه اللقمات بشيء من الملح، وفي الغد يقمن بتفحص هذه اللقمات، ويعتقدن أن اللقمة التي سقط عليها الملح تحدد الشهر الذي سيكون ممطرا.

     أما ساكنة المغرب الشرقي فتولي أهمية بالغة لحلول السنة الأمازيغية الجديدة، إذ يتم الاحتفال برأس السنة بشكل كبير على غرار باقي الأعياد الدينية ويتم خلالها تبادل الزيارات والتباريك والتهاني بين أفراد العائلة التي يتجمع أغلبها في جو احتفالي يبدأ الإعداد له قبل أسبوع، وتعج أسواق المنطقة بمختلف الفواكه الجافة كالجوز واللوز والزبيب والفول السوداني (قاويت)  التي يتم خلطها داخل نفس الكيس، إضافة إلى حلويات من مختلف الأنواع (ويشتهر منها النوع المعروف بالكعك) وتباع بأثمان مناسبة في فترات الأعياد بالأسواق، في حين يتم إعداد وجبة عشاء تدعى «بركوكش» أو (أبرابر Ð أفرفور)الذي يفتل ويصنع يدويا من دقيق الشعير وأحيانا من القمح  وتخلط معه القطاني والحلبة والطماطم والقزبر واللحم الذي يكون في الغالب دجاجا، وتقدم طيلة اليوم الفواكه الجافة للضيوف مع الشاي، وفي بعض المناطق يتم ترك حصة من العشاء في الهواء الطلق تحت القمر تبركا بالموسم الجديد. وإضافة إلى ما سبق، فإن سكان منطقة فكيك على وجه التحديد يحضرون ما يسمونه «الكليلة» وهو لبن يتم تجفيفه محليا في مواسم وفرة الحليب، إذ يحول إلى حبوب تشبه الحصى، وخلال احتفالات رأس السنة يصبون الماء على هاته الحبوب ويصنعون منها لبن الكليلة الذي يوزع على الضيوف وأفراد العائلة، وغالبا ما يوزع إلى جانبه اللبن الطري إذا توفرت عليه العائلة يوم رأس السنة.

       وفي قبائل سوس فمن العادات التي تباشر بهذه المناسبة، إعداد عصيدة يناير (تكَلا ن يناير): وهي عبارة عن احتفال برأس السنة بواسطة وجبة عصيدة، تتعشى بها كل أسرة ليلة فاتح يناير، وتكون العصيدة محشوة بحبات أركَان (أقاين)، أو عجمات التمر (أغرمي)، ويتفاءل الآكل بمصادفته هذه الحبات، ويستقرئ حظه من خلال عددها، وتعد النساء وجبة من الكسكس بسبع خضر والبسيس وأُورْكِيمَنْ، وهو عبارة عن خليط من القطاني وبركوكس وهو عبارة عن طحين يخلط ويفتل بالماء ويمزج بعد ذلك بزيت أركَان والعسل و أملو وغيرها.

    وتعتبر “تاكْلاَّ”العصيدة، الأكلة المميزة وذات الرمزية العميقة في الثقافة الأمازيغية، والتي يتم إعدادها بمناسبة رأس السنة الأمازيغية منذ القدم، هذه الأكلة التي تبرز مدى تشبت إنسان تامزغا بالأرض،وجرت العادة منذ القديم، أن تناول هذه الوجبة في هذه المناسبة يكون مصحوبا بطقوس ثقافية، من أهمها أنه يتم اختيار رجل أو امرأة السنة، صاحب الحظ السعيد، الذي يجد أثناء الأكل “أغورمي ” وهو بدرة ثمر يتم إخفاؤها في الطبق المعد بالمناسبة.

      واعتبارا لما سبق، فإن الاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية، في العمق، اعتراف بالبعد الأمازيغي للمغرب كبعد أصلي وأصيل وتأكيد على أن الأمازيغية تمتد جذورها في أعماق تاريخ المغرب، بحيث يمتد على الأقل تاريخ المغرب بحسب التقويم الأمازيغي إلى 950 سنة قبل الميلاد ولا يرتبط فقط بإثنى عشر قرنا، كما هو سائد متداول.

     إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يدخل في صميم تذكير مكونات الشعب المغربي بتقاليده و عاداته وعمقه الحضاري الذي ينبغي الحفاظ عليه و استرجاعه حتى يتشبث المغرب بجذور هويته الثقافية و الحضارية وتأكيد على ضرورة إعطاء دفعة جديدة للثقافة الأمازيغية في أبعادها الرمزية باعتبارها ثروة وطنية تشكل مصدر فخر و اعتزاز لجميع المغاربة، ذلك أن الثقافة هي في جوهرها و لبها مجموعة من المظاهر الرمزية المعبر عنها بواسطة أنشطة و ممارسات وقيم، وإقصاء ثقافة ما يبدأ بإقصاء مظاهرها الرمزية، كما أن رد الاعتبار لهذه الثقافة يبدأ برد الاعتبار لمظاهرها الرمزية، وعلى هذا الأساس، ويعتبر هذا اليوم بمثابة عيد وطني عند إمازيغن يربط الإنسان بخيرات أرضه وعمقه الثقافي و الحضاري و تصالحه مع ماضيه، و ذلك لكون الامازيغية مكون أساسي للثقافة الوطنية المغاربية، وتراث ثقافي زاخر شاهد على حضورها في كل معالم التاريخ و الحضارة .                            

  و في الأخير، للجميع أقول "أسكاس ذمينو ذامكاز" .

بقلم : خالد أقرقاش

تعليقات

التنقل السريع