القائمة الرئيسية

الصفحات

ملاحظــات حول حكايـــة "للا ميمونة"*

 

الصورة لضريح للا ميمونة المتواجد بقلب المنتزه الوطني للحسيمة. 

ملاحظــات حول حكايـــة "للا ميمونة"* 

           سوف نتناول في هذا المقال الحكاية الشعبية الأمازيغية من خلال حكاية "للا ميمونة" وسنعتمد على الروايات المختلفة التي وضعنا عليها يدنا وهي ثلاث مع الاستئناس بالرواية الشفوية التي استقيناها من قرية ” اتسوليين”. وقبل الوقوف على بعض الاختلافات لابد من سرد الحكاية كما وردت عند ناقليها.

  الرواية الأولى : للا ميمونة السعيدة[1[

       كان في قديم الزمان أمة تحيا في هذا البلد تدعى"للا ميمونة"، وكانت تحظى لدى سيدها بتقدير كبير وذلك بعد سنوات طويلة قضتها في التفاني في عملها بكل إخلاص وخضوع.

   ولكنها اتهمت ذات يوم، نتيجة لسوء تفاهم، بالتهاون وعوقبت عقابا شديدا، إلا أنها تحملت في صمت عذابها بدلا من إثبات براءتها، وفي الليلة ذاتها رأى سيدها في منامه حلما يبرىء ساحتها مما جعله يردد في قرارة نفسه بعد استيقاظه:

ـ هذه المرأة ذات شأن عظيم لدى الله الذي أوحى إلي ببراءتها في منامي، ولذا فإني سأقوم بتحريرها.

   وهكذا نالت “للا ميمونة” حريتها التي انتهزتها فرصة لتنذر ما تبقى من عمرها لعبادة الله وتدبر عظمة خلقه، وقد اتخذت من كهف سكنا لها يوجد على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

          وكان إذ مر الذين يعرفون حق فضلها في الكهف، يلقون عليها التحية مشفوعة بالتقدير، ويزودونها بالطعام.

    ولما كانت للا ميمونة أمية تجهل الطرائق والشعائر الدينية الملازمة للتقرب بها إلى الله، فإنها ما انفكت تدعو خالقها أن يعلمها كيفية إقامة الصلاة.

        وبعد أيام وبينما كانت مستغرقة في تعبدها، إذا بقوة سحرية تقف فجأة مركبا كان يسير في هذه اللحظة أمام كهف للا ميمونة. وحدست وهي تشاهد هذه الخارقة إمكان وجود أحد على ظهر المركب قادر على تعليمها إقامة الصلاة. ودونما تردد ركبت بساطها محلقة فوق الأمواج حتى تسللت إلى المركب، وأما ربان السفينة الذي اندهش لهذا الحدث الخارق فإنه لم يجد مانعا من تعليم للا ميمونة كل الصلوات التي يعلمها.

        وبعد أن شكرت للا ميمونة الربان على صنعه عادت إلى كهفها، غير أنها تتهيأ لتلاوة التعابير التي أخذتها تبخر كل شيء في رأسها، فعادت مرة أخرى إلى السفينة لتتوسل إلى الربان أن يعلمها من جديد ما سبق أن علمه إياها فاستجاب مسرورا لطلبها.

       وبمجرد عودت المرأة الطيبة إلى كهفها، كانت تحاول عبثا ترديد تعابير الصلاة، ذلك بأن ذاكرتها لم تسعفها في استيعاب هذه التعابير المعقدة. لم يتمكن اليأس من قلبها فأرادت أن تعود مرة ثالثا إلى السفينة، ولكن ما أن أطلت من كهفها حتى تأكدت من اختفاء السفينة.

وفي هذه الأثناء كانت للا ميمونة التي أنهكها الركوع تتمتم هذه الكلمات:

       ميمونة تعرف الله والله يعرف ميمونة.

   وقد ظلت هذه الكلمات حتى آخر أيام حياتها الصيغة الوحيدة الثابتة لأداء صلاتها. وقد أوحى الله لأحد ملائكته بعد وفاتها أن يطهر جسدها ويكفنه بثوب ناعم ثم يواريه التراب في موضع مجهول من لدن الرجال.

  الرواية الثانية: للا ميمونة[2[

           تروي أسطورة "للا ميمونة" حسبما جاء في مقال نشره الكاتب الإسباني “فالدراما” valderramaعام 1947 في مجلة “افريقيا afrika أن للا ميمونة هي بنت السلطان مولاي يعقوب المنصور، وزوجة أحد خدام مولاي عبد القادر الجيلالي، ولدت ميمونة بالقصر الكبير، وكانت منذ صغرها تبدو علامات “الكشف” و“الولاية” ما يشد أنظار الأطفال الذين كانوا يجتمعون حولها للاستماع إلى حكمها ونصائحها، ولما صارت ميمونة شابة يافعة، غادرت مسقط رأسها واستقرت على الساحل الأطلنتي لإتمام مهمتها المقدسة، هناك كان سكان قبيلة “الخلط” والساحل شمال غرب المغرب ينعمون ببركاتها وحمايتها فقد تدخلت للا ميمونة، ذات يوم من إنقاذهما من كارثة محققة، لأن الواليين الأكثر تقديسا في منطقة الغرب كلها، وهما الولي “أبو سلهام” والوالي “سيدي عبد الجليل”، أرادا أن يتباريا ويتبارزا وذلك أن يحاول كل واحد منهما أن يظهر للآخر إلى أي حد يمكن أن تصل قوة “كرامته” ويحقق من المعجزات: أدخل عبد الجليل يده اليمنى في البحر وأخرجه منه وقد علقت من كل شعيرة من شعيرات يده سمكة.

     في حين أراد أبو سلهام أن يفعل أكثر من منافسة، وذلك بأن ينقل البحر إلى جوار فاس حتى يتسنى لنساء هذه المدينة غسل ملابسهن في مائه.

      بيد أن ميمونة لم تكن لترضى بفقدان بحر أحلامها، ولا أن تترك سكان الساحل الذين يعيشون على الصيد، عرضة للمجاعة، فمدت ميمونة يدها اليمنى إلى البحر لتوقفه حيث هو، وفي نفس الآن أشارت بيدها اليسرى إلى ناحية فاس وفي رمشة عين كانت بعض النساء الفاسيات قد حضرن إلى عين المكان، وتقدمن إلى الشط لأخذ بعض الحجارة والماء لغسل الثوب.

       وبفضل هذه “المعجزة” صارت للاميمونة مبجلة من جميع سكان شمال المغرب (جبالة غمارة ثم الريف). وبما أنها كانت تعشق البحار، وترغب في الانقطاع للعبادة والتنسك، فقد غادرت منطقة الغرب في اتجاه ساحل البحر الأبيض المتوسط. وحطت عصا ترحلها في قرية بوسكور بقبيلة بقيوة. وبعد أن لازمت هناك، الخلوة لمدة طويلة، قررت العودة إلى مسقط رأسها حيث دفنت لكن أهل بقيوة لم ينسوا صلاحها وفضلها، بل شيدوا لها شرقي “مرسي” بوسكور رباطا فوق قمة تشرف مباشرة على البحر ولا تزال، إلى يومنا هذا قائمة الوجود.

 الرواية الثالثة[3 [

       ومن الكرامات الشهيرة التي ما زالت تحكى محليا عن للا ميمونة، ما دونه الكاتب الفرنسي بيارني biarnay سنة 1917، وكان قد استقاها سنة 1909 من إمرأة بقيوة الأصل بمدينة طنجة. ومفادها أن ميمونة ثاكناوث. لما حلت بين ظهران أهل بقيوة، لم يكن أحد يعلم أنها ولية مقدسة لأنها كانت تجهل حتى إقامة الصلاة ( … )، إلى أن مر ذات يوم يوم، مركب بمحاذاة شاطئ بوسكور في اتجاه الشرق، فعرعت ميمونة منادية قائد المركب أن يعلم لها طريقة الصلاة ( وفي رواية أخرى أن يصطحبها إلى الحج )، لكن صاحبها المركب لم يكترث بطلبها. وعندئذ أخذت ميمونة خرقة من جاد الماعز أو الخروف كانت تتخذه كسجادة، ووضعتها فوق الماء ثم ركبت على متنها وصارت في أعقاب المركب المذكور حتى لحقت به، فتوقف فجأة عن الإبحار. وبينما قائد المركب كان يبحث عن علة هذا التوقف غير العادي، إذ بالمرأة تفاجئه وهي على ظهر السجادة العائمة، فصاح القائد:

ـ ما شأنك أيتها المرأة؟

ـ أنا اسمي ياما ميمونة.

ـ وماذا تطلبين؟

ـ أريد أن تعلمني الصلاة.

ـ قولي: الله أكبر، هكذا كان يعبد مولاي ومولاتي.

ثم رجعت ميمونة إلى حال سبيلها، لكن سرعان ما نسيت ما تعلمته ،فسارعت للالتحاق بالمركب من جديد كما فعلت في المرة الأولى. فتوقف المركب، وخاطبها القائد ثانية:

ـ ما بك؟

ـ قلت … أرغب في تعلم الصلاة.

ـ ولكني قد علمتك إياها منذ قليل.

ـ أجل، ولكني قد نسيتها.

ـ حسنا، اقتربي مني وقولي: الله أكبر، هكذا كان يصلي مولاي ومولاتي.

ثم واصل المركب سيره. ورجعت ميمونة من حيث أتت. بيد أنها لما استعدت للصلاة لم تتذكر شيئا مما حفظته فقالت: “ميمونة ذسن ربي، ربي يسن ميمونة”. أي ميمونة تعرف الله، والله يعرف ميمونة. وهكذا، باكتفائها بتكرار هذا الكلام ( معرفة الله)، صارت ميمونة تؤدي صلواتها بكل طمأنينة.

      ملاحظات عامة:

       البداية من الاسم حيث يردد بعدة صيغ نجملها:

         للا ميمونة: “للا” بلأمازيغية تعني “سيدتي” في مقابل مصطلح “سيذي” أي سيدي يستعمل للذكر وكلاهما يستعمل للتبجيل والتعظيم.

للا ميمونة ثكناوث:هنا تضاف صيغة تكناوث وتعني بالأمازيغية “الصماء”.

ياما ميمونة (ثكناوث): هذا الاسم كذلك يستعمل “ياما ميمونة” فقط. أي “أمي ميمونة”، أو تضاف لها نفس الصيفة.

   أما الأستاذ موسى أغربي فقد عنون هذه الحكاية بإضافة صفة “السعيدة” ليأتي العنوان هكذا “للا ميمونة السعيدة”.

    وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المصادر التاريخية تخلط بين “للا ميمونة” و “أم أيمن”.

    بل إن ياما ميمونة تسميها الكثير من المصادر المغربية ‘أم أيمن’ “[4[

مكان الرباط:

      تتفق كل الروايات أن رباط للاميمونة يقع على جبل وسكور. وعن هذا يقول البوعياشي: “وبوسكور هكذا بالسين، وليس الزين كما جاء في الحلل السندسية نقلا عن المشتاق، وقد كانت قرية عامرة بين بادس والمزمة، ولا زال الموضوع يعرف بهذا الاسم إلى الآن، وهي غربي مدينة الحسيمة اآن بحوالي 10 كلم بحرا”[5[.

   مسجد يتربع قمة المرتفع المطل على مرسى بوسكور، حيث انقطعت امرأة للتعبد والتزهد، عرفت بين سكان قبيلة بقيوة بللا ميمونة، واعترافا منهم بفضلها وصلاحها بنوا هذا المسجد[6[.

أوجه الاختلاف والتشابه بين الروايات الثلاثة:

  في شأن للا ميمونة:

    وفي الرواية الأولى: نجد أن “للا ميمونة” أمة تتفانى في خدمة سيدها الذي حررها حين تراءت له في حلم أنها ستصير ذات شأن.

     بينما في الرواية الثانية فهي بنت السلطان مولاي يعقوب المنصور وزوجة أحد خدامه مولاي عبد القادر الجيلالي.

      بينما في الرواية الثالثة فلم نجد في كل المراجع التي بين أيدينا سوى هذه الرواية الوحيدة المنقولة عن “بيارني” والتي تشير فقط إلى كرامات هذه المرأة، دون الإشارة إلى من تكون ومن أين جاءت.

    في شأن موضع الدفن:

       تشير الرواية الأولى إلى أن موضع الدفن غير معروفمن لدن الرجال، ولسنا ندري إن كان النساء يعرفنه، والرواية الثانية تقرر أنها عادت إلى مسقط رأسها وهناك دفنت: أي القصر الكبير؛ بينما الرواية الثالثة لا تشير قط إلى موتها.

    في شأن الرباط:

      الرواية الأولى لا تشير إلى أي رباط بل تؤكد في أكثر من موضع على أن للا ميمونة كانت تسكن كهفا، وتكتفي بهذا، والرواية الثانية بدورها تشير فقط إلى أنها تقيم على شاطئ بوسكور دون تفصيلات؛ أما الرواية الثالثة فإنها تؤكد أن الرباط شيده أهل بقيوة بعد موتها وذلك اعترافا بصلاحها وفضلها.

      وفيما عاد هذا فالروايات الثلاث تتشابه حد التطابق، حيث تتلاقى في البناء العام والشخوص والأحداث، إذ لا تختلف هذه الروايات سوى في بعض التفاصيل التي لا تؤثر على الهيكل العام للحكاية رغم أن الرواية الأولى للحكاية تقترب أكثر من الأسطورة، بينما الرواية الثانية فتحاول جعلها أقرب إلى الواقع.

       وهذه الحكاية لا زالت تروى إلى اليوم، وقد وقفنا على بعض الروايات الشفوية من عين المكان بقبيلة بقيوة ، ولم نسجل اختلافات كثيرة. فمقدمة الحكاية غير معروفة عند أهل المنطقة، بل إن الواقعة الشهيرة عن “للا ميمونة” هو ما دار بينها وبين ربان الباخرة وتحكي باختلاف بسيط إلى حد ما مع الحكايات أعلاه، حيث أن المركب لم يتوقف قبالة الكهف الذي تسكنه، بل إنه أرسى على شاطئ بوسكور، فذهبت إليهم تطلب منهم تعليمها الصلاة، فعلمها الربان، لكنها بمجرد ما عادت إلى كهفها أو رباطها وانطلق المركب، حتى أدركت أنها نسيت كل ما تعلمته؛ وهنا توقف المركب بشكل مفاجئ وغير مفهوم من طاقم المركب ، لتلحق بهم للا ميمونة ملتمسة تعليمها من جديد، وهو ما قام به الربان؛ فغادرت شاكرة وعادت أدراجها إلى الشاطئ، ليعود المركب إلى حالته الطبيعية وينطلق من جديد كأن شيئا لم يصبه؛ إلا أن للا ميمونة أدركت من جديد أنها نسيت كل ما تعلمته.

        وهنا اهتدت إلى صيغة تعبدية تخصها لوحدتها فانطلقت تردد ” ميمونة ثسن ربي ربي إسن ميمونة” أي ” ميمونة تعرف الله والله يعرف ميمونة”.

    وهنا ما صار اليوم مثلا شعبيا لتبرير العبادة كيفما اتفق أي دون علم شرعي؛ أي الدين الشعبي.

-----

هوامـــــــــش

[1] ” من حكايات البربرية الشعبية”، إعداد: موسى أغربي، منشورات كلية الآداب، وجدة، س بحوث ودراسات 19، السنة 2003، ص. 28

[2] التاريخ المحلي والمقدس: قراءة في ميثولوجيا للا ميمونة ( مقال غير موقع)، جريدة الخزامى، ع11، مارس 2007، ص,8

[3] محمد اونيا، حول الدين والسلطة بالريف في المغرب الوسيط، جريدة تيفراز ن أريف، ع 21، أبريل 2005، ص.12

[4] التاريخ المحلي والمقدس: قراءة في ميثولوجيا للا ميمونة، م س، ص. 8

[5] أحمد البوعياشي، حرب الريف التحريرية ومراحل النضال،ج2، نشر عبد السلام جسوس وسوشبريس، ص. 156

6 مساهمة الأستاذ طليح عبد العزيز في دليل حول المنتزه الو طني المزمع إنجازه من طرف " شبكة الجمعيات العاملة بالمنتزه الوطني للحسيمة".

     بقلم الأستاذ عبد الصمد المجوقي


تعليقات

التنقل السريع