القائمة الرئيسية

الصفحات

تأملات في مسار القضية الامازيغية

 


تأملات في مسار القضية الامازيغية

      لقد دأب الشعب الأمازيغي منذ مدة في كل بقاع ثمازغا والدياسبورا على تخليد السنة الامازيغية الجديدة باعتبارها إحدى المحطات التاريخية الموشومة في ذاكرته، والتي تؤرخ لبسالة إمازيغن وتضحياتهم من أجل الكرامة والحرية، هذه المحطة التي جسدوا من خلالها وعبر التاريخ قيم ثيموزغا في مواجهة كل أشكال و أنواع الاستعمار سواء كان عسكريا أو ثقافيا و كل أعداء الحرية، و هي محطة  للتعبير الصريح عن تشبث إيمازيغن بالأرض وخيراتها من خلال الطقوس المرتبطة بهذا التخليد والتي رغم اختلافها من منطقة لأخرى حسب اختلاف المأكولات و الوجبات التقليدية المتعارف عليها و التي تختلف باختلاف المناطق و بأنواع المحصولات المنتجة بها، إلا أن امازيغن اعتبرو و لا زالو يعتبرون رأس كل سنة أمازيغية جديدة يوما متميزا في حياتهم فهو يمثل نهاية مرحلة و الشروع في مرحلة جديدة يأملون أن تكون أفضل من سابقتها لذلك دأبوا على الاحتفال بحلول كل سنة جديدة التي تصادف شهر يناير من كل سنة و هو ما يعرف ب " يان يور" و هي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين "ين" أي واحد و "يور" أي الشهر بمعنى أن العبارة تعني الشهر الأول ، فيسمى اليوم الأول " ءيخف ن أوسكاس " أي رأس السنة، أما ليلة السنة الجديدة فتسمى "ءيض ن اوسكاس" و هي كلمة مركبة من "ءيض" و تعني الليلة و أسكاس تعني السنة، و يطلق عليهما كذلك " أذاف أسكاس" أي دخول السنة الجديدة أو " ءيض ن نير" أي ليلة يناير أو أمغار أو حكوز أو حكوزة( العجوزة : و يقصد بها الليلة الأخيرة من السنة المنصرمة) و بالتالي يعني أول الشهور في التقويم الأمازيغي.

         إن التخليد أو الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من قبل امازيغن و مكونات الحركة الأمازيغية على المستوى الوطني يجب أن تكون محطة لتقييم الوضع الراهن لامازيغن والنضال الامازيغي، فرغم المسار الطويل من العمل و النضال من أجل محاولة التأسيس و البناء لحركة أمازيغية قادرة على مواجهة التحديات ، إلا أنه لم يستطع ايمازيغن  بلورة أسس تنظيم سياسي قوي واحد يستجيب لطموحات ومتطلبات النضال الأمازيغي ، وكان دائما سبب الفشل والتعثرات التنظيمية في ايجاد مخرج لتأزم الفعل النضالي،هو تعدد واختلاف وتنوع الرؤى و المقاربات واتجاهاتها ومذاهبها، وبالتالي  أصبح  من الضروري و بشكل  ملح تجديد الخطاب الامازيغي و التفكير و السعي بكل جرأة إلى  ابراز هذا الاختلاف والتنوع في المشارب و المقاربات و الدفع بالفعل النضالي الأمازيغي إلى الأمام لتقوية و إغناء الرصيد النضالي للحركة الأمازيغية من خلال فعل نضالي جاد و مسؤول يستشرف المستقبل و يتجاوز فيه اللحظات السلبية العقيمة المتسمة بالسب و الشتم و نشر الإشاعات و إيقاظ النعرات القبلية التي مافتئ أعداء القضية يذكيها ويعمقها، و بالتالي أصبح الاجتهاد ضرورة تاريخية من أجل خلق آليات تنظيمية قادر على الاجابة على تطلعات ايمازيغن على اختلاف مستوياتهم  الاجتماعية والاقتصادية والفكرية.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحركة الأمازيغية اليوم أصبحت تعيش مرحلة حساسة ودقيقة نتيجة تكالب عليها قوى عديدة ومتعددة وبمحاولات متجددة رامية إلى تدجينها واختراقها واحتوائها من خلال تسخيرها لمجموعة من الجهات ذات أجندة سياسية مكشوفة ومعلومة وذات ولاءات لتنظيمات حزبية معروفة في محاولة لإيهام إيمازيغن أنها جاءت من أجل لم شملهم، في حين أنها جهات يعرف الكل تاريخها وعلاقتها المشبوهة والمكشوفة ، بل هي نفسها التي فوتت فرص عديدة لتجميع إيمازيغن، إن هرولة هذه الجهات الفاقدة لأي بوصلة سياسية أمام كل فرصة لامازيغن للبناء و لم الشمل، ما هي إلا من أجل الظفر ببعض المقاعد في بعض المجالس من قبيل المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية، والمجلس الأعلى للشباب... على غرار ما قام به البعض منهم بالأمس في فترة تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

   وأمام هذا الوضع، فإنه يتحتم على الحركة الامازيغية و خاصة كل مناضلي القضية الأمازيغية المبدئيين، التفكير بهدوء عميق و يقظة من أجل التصدي للهجومات المفضوحة على الإرث النضالي الشريف، والعمل على مواجهة كل الاختراقات ورص الصفوف للتصدي للمخططات التي تحاك ضد القضية الأمازيغية، و البحث و الاجتهاد بكل جرأة عن بدائل تنظيمية فاعلة ذات مقومات ومقاييس واضحة ومحددة تقطع مع الأساليب القديمة وتهدف إلى تجديد الخطاب و أدوات النضال الأمازيغي، لبناء ذات قوية وفعالة، تتوخى التأثير في المشهد السياسي والثقافي والحقوقي بالمغرب، كحركة مجتمعية جماهيرية و مستقلة تلبي تطلعات إمازيغن، باعتبار النضال المستقل والمنظم هو السبيل الوحيد لتحقيق المطالب العادلة والمشروعة التي لا تقبل التجزيء وفي مقدمتها إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية المتجذرة في التاريخ.

       وبمناسبة تخليد أو الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة لا يسعنا إلا نلفت انتباه  مناضلي الحركة الامازيغية أننا اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى  للنظر  و الالتفات إلى عمق الاشكالات الحقيقية و الضرورية التي يمكن أن تخدم جوهر القضية الأمازيغية و التأسيس لخطاب أمازيغي جديد يقطع مع التراكمات السلبية و الاخفاقات التنظيمية المتكررة و التطلع إلى المستقبل بحس نقدي من خلال القيام "بثورة" إن صح التعبير داخلية ذاتية تتأسس على حصيلة نقدية موضوعية للفعل الامازيغي عبر المسار الطويل وتنتصر للواقيعة و العقلانية و تأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة و التحديد الدقيق للإمكانيات و القدرات من أجل تسطير الأهداف و المرامي بشكل أكثر جرأة و إجرائية و بالتالي وضع خارط طريق لمسار الفعل الأمازيغي بشكل دقيق و واضع للإجابة عن الاسئلة العديدة المؤرقة من قبيل : إلى أين نريد أن نصل بالنضال الامازيغي ؟ و ماهي الاهداف المرحلية و الاستراتيجية ؟  وأي نوع من الاشكال التنظيمية التي يجب العمل داخلها؟ هل الاكتفاء بالأشكال التنظيمية التقليدية أي الجمعيات التي حملت في البداية هم النضال على القضية الأمازيغية، ؟ أم الانتقال إلى تأسيس حركة أو حركات سياسية مثلا قادرة على التأثير في المشهد السياسي والثقافي والحقوقي بالمغرب..؟

و في الأخير، و تأكيدا لما سبق فالمرحلة تستوجب فعلا البحث بكل جدية و مسؤولية عن آليات جديدة تمكن الحركة الامازيغية من تجاوز الوضع غير الصحي الذي تعيشه ، والتطلع إلى غد أفضل ينصف القضية الأمازيغية في كل تجلياتها.

بقلم الأستاذ خالد أقرقاش

تعليقات

التنقل السريع