القائمة الرئيسية

الصفحات

دراسة:الرقصات الاحتفالية.. منطقة الريف الإنسان والمجال(الجزء الثاني)

 


دراسة:الرقصات الاحتفالية.. منطقة الريف الإنسان والمجال)الجزء الثاني(

 بقلم الأستاذ  محمد قروق كركيش

المحور الثاني : منطقة الريف الإنسان والمجال

1-    الإنسان الريفي ونمط الحياة :

                 إن مناطق الريف بشمال وشرق المغرب لها خصــوصيات متعددة على رأسها العامل المجالي الجغرافي من جهة، ثم العامل اللهجي اللغوي من جهة ثانية، ضف إلى ذلك خصوصيات العيش ونمط الحياة التي تعبر عن هوية الإنسان الذي يتواجد بهذه المنطقة من المغرب العميق، وتعتبر منطقة الريف بهذا الصدد، جهة مغربية لها من الخصوصيات الثقافية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والبشرية، ما يؤهلها ويرشحها لتصبح قطبا فاعلا، فهذه المنطقة رغم وعورة تضاريسها ، أثارت اهتمام وأطماع العديد من الشعوب والدول، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي، لقد قامت حكومات وجيوش هذه الدول والشعوب بمحاولات خلال محطات تاريخية تمتد من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث والمعاصر بخطوات حثيثة للسيطرة على المنطقة والنفاذ عبرها إلى داخل البلاد الأم، هذه المحاولات استندت في أغلبها الأعم على القوة ، وعلى السلم في بعض الفترات.

          ومما لا شك فيه، أن المراجــعة التاريخية للماضي البعيد والقريب لهذه المنطقة، تكشف لنا عن حدوث تفاعل حضــاري بين العناصر الوافدة والعناصر المستقرة، هذا التفاعل والتداخل الحضاري ترك بصماته الواضحة على الحياة الاجتماعية والثقافية لساكنة الريف، مثلما أن المنطقة انصهرت فيها فسيفساء بشرية ولغوية وثقافية بما حملته من عناصر السلب والإيجاب، يمكن للباحث وللدارس الميداني تلمسها في أنماط السلوك، ووسائل العيش، وفي كل مظاهر التراث الشعبي للمنطقة.

     إن كل هذه التنوعات حكمت على الإنسان الريفي بالبساطة والتنوع في نمط الحياة، إذ يحتل الإنسان بقوته الفكرية الثقافية المقام الأول من الاهتمام بالغير والتفاعل به والرغبة في التفاهم والتواجد المشترك والتعايش المتداخل والمتعانق على الحياة، وعلى استثمار الحياة والاستمتاع بما فيها من نعيم وقوة وجمال، لأن " الإنسان..فكر وروح، إحساس ووجدان ووعي، وإدراك.. جسم مادي متحرك، وعالم من المشاعر ترافق هذا الجسم وتصدر عنه.. وكل من هذه مضارب للحركة والتفاعل بالأخر، و مطالب لإشباع الحاجات وتوفير مجالات للحركة والعمل والإنتاج ".

2-    جغرافية المجال الريفي :

        يتبين من خلال بعض المصادر والمراجع التاريخية، أن مصطلح الريف برز في القرون الأولى من الحقبة الوسيطية ، وخاصة في بدايات القرن الثامن للميلاد، استنادا إلى ما ذكره مؤلف مجهول، عندما أشار قائلا: "و في سنة 139 هـ / 718م ، اشتد الجوع فخرج أهل الأندلس إلى طنجة و أصيلا و ريف الأمازيغ ممتارين و مرتحلين " ، أما عند ابن خلدون، فيتحدد مفهوم الريف جغرافيا في قوله :" عبارة عن سلسلة جبلية متوسطية تقع في أقصى الشمال، فهي تمتد من طنجة غربا إلى مصب نهر ملوية شرقا " ؛ إذن وفق هذا التحديد الجغرافي، فإن مجال الريف يجمع بين منطقة الريف الشرقي : المكونة من جبال كبدانة و قلعية وبني سعيد و بني أولشك و بني توزين و تمسمان ؛ ثم الريف الأوسط: المكون من جبال بني ورياغل والقبائل المجاورة لها، وجبال صنهاجة السراير؛ و أخيرا، الريف الغربي : المكون من منطقة جبالة و غمارة . وفي وصف إفريقيا للحسن بن محمد الوزان الفاسي ، المعروف بليون الإفريقي ، فإن التحديد الجغرافي للريف التاريخي : "يبتدئ من تخوم مضيق أعمدة هرقل ، ويمتد شرقا إلى نهر النكور، و ينتهي شمالا عند البحر الأبيض المتوسط، ليمتد جنوبا حتى الجبال المحاذية لنهر ورغة الواقعة بمنطقة فاس" و قد حدد بعد ذلك حدود إقليم كرت من نهر النكور غربا إلى نهر ملوية شرقا .

        لكن مع بداية القرن أصبح الريف يجمع بين الريف الشرقي " كرت" و الريف الأوسط، مما زاد من تعقيد في تحديد دقيق للريف ، فنجد " أوجست مولييراس "  الذي يحدد الريف كما يلي: " الريف يمتد على شواطئ المتوسط ، من إقليم وهران إلى القبيلة البحرية لغمارة، غير بعيد عن تطاوين – (تطوان)-  " و قد فصل بين إقليم الريف و إقليم جبالة ، وفي نفس الاتجاه تنحو المؤرخة الإسبانية  " ماريا روسا دي مادارياغا "  في تحديد جغرافية الريف، حيث تعرفه كالآتي: " يطلق مصطلح الريف على كل المنطقة الشمالية للمغرب الممتد على طول المتوسط، من طنجة إلى ملوية، نحو الداخل إلى حدود واد ورغة و شمال تازة و ربما قد يعود ذلك إلى أن عبارة ـ ريف ـ لا تعني قبيلة، و إنما جهة جغرافية". ووفقا لهذه التحديدات نستخلص ثلاث أبعاد رئيسية لتحديد منطقة الريف :

المدلول الجغرافي : ونعني به السلسلة الجبلية الممتدة من طنجة إلى مصب نهر ملوية، كما يقصد به جزء من ساحل المتوسط .

المدلول البشري : رغم انه لازال يكتنفه الغموض، فإنه وفقا للتحديدات قد يعني العناصر الصنهاجية والغمارية والزناتية التي شكلت النواة الأصلية لسكان الريف .

المدلول الإداري : وهو متغير ويخضع للتبدل مع تغير الحقب والمراحل والأسر الحاكمة، فكانت حدود الريف تعرف مدا وجزرا.

يتبع..

 


تعليقات

التنقل السريع