القائمة الرئيسية

الصفحات

عن السياسة.. الأمازيغية.. الحراك.. ومقاومي ثقافة الوعي والتغيير

 


عن السياسة.. الأمازيغية.. الحراك.. ومقاومي ثقافة الوعي والتغيير

بقلم الأستاذ: ع.ل

        الأغلبية تتنازل للأقلية، والرعية تخضع ذهنيا للراعي، حتى وإن أظهرت خطابا متمردا، ممانعا، ورافضا لكل صنوف الخنوع والطاعة، فالمنافقين في المجالس العامة معارضون، وفي المجالس الخاصة خدام وأتباع، ولحشد قطيع يشرعن ما نبطنه من مساعي خفية لا نحتاج في هذا الزمن سوى للعب على وتر الماديات والمشاكل التي تتسارع وتيرتها، وتتفرع مشتقاتها وتتعقد حلولها.

     فالإنسان بطبعه يحلم، والحلم كان ومازال أداة للخداع والاستغلال، فكيف يمكن لذات تتمتع بأدنى أسس القيم الأخلاقية والإنسانية، أن تجعل من حلم رد الاعتبار للكينونة الأمازيغية بالمغرب، لتاريخها، لتراثها ولأمجادها أداة للتلاعب السياسي...نعم، لقد أمكن / يمكن لها ذلك، لأن الشعوب اليوم لا تهتم سوى بالمظهر والشكل، ولا تهتم بمضمون وفحوى الأشياء... فالصورة والألوان تعمي البصيرة، وتحجب العقل، وجمالية مظهر الصورة تصد النقد، وتمنعه تارة أخرى، بل قد تتهمه وتحتقره حتى تحافظ على جماليتها أمام مرأى العامة....بالرغم من أن أدوات رسم هذه الصورة(كاللوحة المرسومة عليها الصورة، والألوان الملونة بها، والريشة التي خططت أبعادها)،  قد تكون مسروقة....

    هل المجتمع المغربي في حاجة لتصورات سياسية فقط لإخراج نفسه من قوقعة الفساد والنفاق السياسي والاجتماعي وأمراض التكنولوجيا النفسية، أم أنه بحاجة لتوعية ثقافية وفكرية بمكر السياسة اليوم ... فالسياسة والثقافة دعامتان متكاملتان لرقي المجتمع، وفشل/ عجز واحدة منهما يعني ضمنيا فشل الأخرى، وما كل الماكياجات المفاهيمية والنحوية واللغوية سوى أدوات يستعين بها الإنسان لبلوغ حقه في ممارسة التسلط،  فكما يقول آرثر شوبنهاور: "الأنانية تثير قدرا من الرعب؛ بحيث إننا اخترعنا السياسة لإخفائها، ولكنها تخترق كل النقب وتفضح نفسها لدى كل مصادف".

     ألم يحمل معتقلوا حراك الريف وغيرهم من المعتقلين السياسيين تصورات سياسية لنهضة المجتمع؟؟؟؟ ألم تحمل الحركة الطلابية بالجامعات المغربية، تصورات نظرية سياسية مختلفة ومتنوعة لصلاح ما أفسدته الأنانية والأقلية؟؟؟

   فلما لم يكترث لهم خدام الدولة الذي "يحمون الوطن" ويعاقبون كل من "يتواطأ ضده"؟؟؟؟ (هذا أقل ما يمكن الاستعانة به كمثال لإظهار مدى وجود بنية داخلية مغلقة فككت من طرف الكتاب والأكاديميين، ومازلت تحتاج لتفكيك آخر يظهر كيف لمطلب بناء مستوصف داخل رقعة جغرافية معينة عقوبته الحكم ب 20 سجنا نافذة)؟؟؟؟

 فهل هذه العقليات تحتاج لحركات سياسية، تنسيقيات، جمعيات، مؤتمرات تجديدية، أو فيدراليات لتغييرها، أم أنها تحتاج لوعي ثقافي جماعي بمدى خطورتها واستمراريتها، فالسياسة في نظري قد تعيد إنتاج نفس الذهنيات، وبطرق أخرى تتماشى وتطور المجتمعات...

    فالسياسية ليست فعلا وممارسة مباشرين وفقط، بل ذهب العديد من المفكرين إلى اعتبار فعل التنظير السياسي والتوعية الفكرية والثقافية فعلان سياسيان ذوي تأثير أكبر وأعمق من الفعل التقليدي (معظم السياسيين اليوم يستعينون بمراكز التفكير والتخطيط الاستراتيجي في هندسة سياساتهم، بدءا بحملاتهم الانتخابية إلى غاية مغادرتهم لكراسي الرئاسة والسلطة)، خصوصا وأنهما يكونان أفراد قادرين وضع الأصبع على جذور الداء ومعالجتها، لكن ممارسة السياسية بدون ثقافة، ما هي إلا فعل ميكانيكي يتسم بغياب براديغم ثقافي وفلسفي بإمكانه المساهمة في حل المشاكل التي استشرت في شتى مناحي المجتمع.

 ومن جهة أخرى، وقد قيلت مرارا وتكرارا، فممارسة السياسة من منطلق السعي لبلوغ/ حماية صنبور التسلط كفعل مباشر في ظل بيئة وبنية تأبى التغير، مآله الفشل، وكل محاولة لتغيير هذه البنية أو النسق بصفة عامة تواجهها مقاومة شرسة ورافضة لكل ريح التحرر...

    إن البنية الفوقية لهرم السياسة مقبلة على مرحلة جد حرجة، غير مكترثة لما خارج الهرم، بقدر ما أنها ستعرف في السنوات المقبلة إعادة ترميم الهرم، وقد نسميها مرحلة انتقالية داخلية، تشهد تصدعات تتميز بالصراخ الداخلي، والضغط الخارجي... فمنذ عشرات السنين، ونحن نطالب، نريد، نصرخ، ونحلم، لكن لا أحد ممن يتحكم في الهرم رضي بالاستجابة لأبسط مطامحنا، فهل هؤلاء بحاجة للسياسة لكي يتغيرون؟؟؟  بل إنهم هم من أدخلوا المعارضين والمتمردين إلى دائرة الموت بفرض شروطهم في ممارسة السياسة والتغيير (التغيير حتى لا يتغير سوى مظهر المعضلات، والتغيير حتى لا يتزحزح أبنائهم وأحفادهم وأنسابهم من درجات هرم السلطة)... فقتلت كل أفكارهم التنويرية، كل الأفكار الإنسانية التي تصفحوها في الكتب والمجلات وكانت نبراسا لاستشراف مستقبل أفضل، وكل فكرة نبيلة كانوا يسعون لترسيخها داخل المجتمع...

    إن دائرة الموت، قتلت حس الإبداع فينا، وأصبحت إعجاباتنا وتعليقاتنا وتدويناتنا تهمة تهدد "السلامة الداخلية للبلاد"، بالرغم من أنها في حقيقة الأمر تهدد بقاء هذه البنية وتمنع انتقال منطلقاتها إلى الأجيال المستقبلية، وتتحالف مع أي فكرة شيطانية لمنع ريح التغيير من دخول نوافذنا...

     فالتعبيرات الإنشائية، والمفاهيم الفلسفية، والصياغات المنتقاة بعناية للتأثير النفسي والعاطفي، لن تغير من ثابت البنية المغلقة والمتسلطة، ولا يمكن تغييرها بالسياسة، لأنها متمرسة في هذه الأخيرة لقرون... كما لا يمكن للاندفاع العاطفي أن يؤدي إلى خلخلة نسق سياسي يتغذى على ما هو إقتصادي، اجتماعي، ثقافي، وتربوي... بكل بساطة إنها إيديولوجية قائمة الأركان بالرغم من رفضنا لها، ومحاربة الإيديولوجية لا يمكن أن يكون إلا بإيديولوجية قائمة أيضا، جوهرها الحقيقي الثقافة... فالإيديولوجية المهيمنة قد تمنحك حق اللعب والتلاعب، شرط تقديم تنازلات، تنازلات مادية أو معنوية، فتخفيف حدة الخطاب النقدي هو تنازل، لأنه يؤدي إلى التغيير النسبي للنظرة العامة حول خطورة الأوضاع، كما أن تخفيف سقف المطالب المجتمعية هو تنازل، لأنه يمنح للفساد مجالا أوسع لكيفية التحكم في تسارع دائرة الرافضين... والتعبير عن الرفض الشعبي لقرارات الحكومة والساسة هي إشارة لكي نكون بديلا لهم، لأن المطلب كان تغيير الحكومة كمظهر لسلطة ميكروسياسية أو تعديلها، وليس تغيير الثقافة السياسية...

تعليقات

التنقل السريع