حول التاريخ، والرواية التاريخية
هناك تاريخين اثنين:
تاريخ رسمي، مزيف وغير صادق وغير منصف بتاتاً، علمتنا إياه
مدارس الإحتلال وجل المدارس الكولونيالية، وفي المقابل هناك تاريخ سري، فيه وفيه
فقط نكتشف كل الأسباب الحقيقية للأحداث التاريخية.
وهذا ما أضافه "بلزاك"
لفهم التاريخ واستيعابه أنه من الضروري إضافة للرواية التاريخية ما يسمى وصف تاريخ
التقاليد، والأعراف، والعادات ليصبح بذلك التاريخ هو تاريخ المجتمع وهذه الإضافة
هي التي تسمو بالرواية إلى قمة التاريخ الفلسفية، وتعطي صورة كاملة حول المقاومة
المسلحة الريفية، وحرب الريف التحررية، وتجربة الريفيين في عملي البناء،بناء
الجمهورية الريفية،دولة الريف كأول كيان سياسي قومي للأمة الريفية بشمال إفريقيا .
بهذه الطريقة
النوعية فقط يمكن أن نعود بالقارئ لإحياء ماضيه التاريخي، بأمجاده وانتصاراته وخيباته
وانكساراته، ليضل القارئ دائما في قالب الصدق، والنزاهة والشفافية والتحيز في
تناول مادة التاريخ بأحداثها، ووقائعها التاريخيتين. بالرغم مما قد تحتويها من
ميولات، نحو المشاعر والإحساس بالروح الوطنية، هنا أعني القومية الريفية التي
تعتبر عند الريفيين من أهم المقومات الأساسية، والرئيسية لدعم كيان الدولة لأنها
قوة إيجابية، وركيزة أساسية لخلق الشعور بالإنتماء، والإعتزاز والإفتخار بالوطن،
الذي هو الإنسان والزمن والمكان والجغرافية، بوصفهما مسرح الأحداث والوقائع
التاريخية وأن تفاعل هذه المكونات الأساسية، هي التي تساهم بشكل كبير في نهاية
المطاف في صنع التاريخ، هذا التاريخ الذي يكون فيه الروائى أقرب من شخص المؤرخ،
بوصفه هو الآخر فرداً من نتاج هذا التاريخ نفسه، وهذا المجتمع بحد ذاته.
لهذا على دارس التاريخ أن يتسلح بالمناهج
العلمية في قراءة التاريخ، وأن يتعلم النظر إليه على هدى هذا الضوء المزدوج إن هو
أراد أن يتوصل إلى الحقائق التاريخية، بالتالي يمكنه إلباس ثوب الحقيقة الموضوعية
لتاريخه، لكي يقذف و يبعث في الوعي الجمعي، وفي الذاكرة المشتركة كل الظلال
العظيمة، وتلك اللحظات المجيدة من تاريخ هذا الشعب الريفي العظيم، تماما كما اقتدى
إليه الكاتب الأستاذ الباحث الدكتور امحمد لشقر في رواية جديدة منفي موكادور، التي
خصها خصيصا للتعريف بشخصية القائد حدو بن حمو لكحل، النائب السابق لوزير خارجية
جمهورية الريف ومؤسس وقائد جهاز مخابراتها، مؤسس القوات الجوية لحكومة دولة الريف، ويعتبر كذلك أول طيار عمل وانخرط في المقاومة
الريفية من 1921 إلى آخر ماي من سنة 1926 وبقي طول هذه المدة بجانب الرئيس عبد
الكريم الخطابي مخلصا مؤمناً بالقضية حتى اللحظة الأخيرة من الإستسلام للفرنسيين،
وبات على هذا النهج إلى أن وافته المنية في المنفى بموكادور في سنة 1950.
وهنا أرى أنه لا بد،
أن أرجع لما كتبته أعلاه لأسطر بخط عريض على أنه يجب على دارس التاريخ أن يتسلح
بالمناهج العلمية في قراءة التاريخ وأن يتعلم النظر إليه على هدى هذا الضوء
المزدوج، إن هو يسعى أو يريد أن يتوصل إلى الحقائق التاريخية، فمثلا ما جاء به
الكاتب امحمد لشقر من حقائق ليس هي نفسها، سواء في القراءة أو في الحقائق مع التي
جاءت بها المؤرخة الإسبانية، ماريا روسا دي مادارياغا في كتابها عبد الكريم
الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال، كتاب تاريخي جد مهم من حيث التوثيق قرأته
واطلعت على محتواه، إلا أن ما يخص التعريف وطريقة تناولها، وحديثها عن شخصية
ارقايذ حدو بن حمو لكحل تبقى طريقة ذكية تشترط من الباحث أو القارئ أن يكون ملم
بعلم التاريخ وأن يكون محنكا سياسيا حتى لا يقع في الفخ ضحية التأثيرات المدارس
الكولونيالية، لهذا قلت بالحرف في مقالي السابق حول رواية منفي موكادور، أن
الأستاذ الباحث الدكتور امحمد لشقر صور لنا حقيقة أوسع من التي يتداولها بعض
المؤرخين، وكتب التاريخ وأنه قد بلغ هذه الغاية بامتياز، وهذا رأيي الشخصي بعد ما
اطلعت على الكتابين، "منفي موكادور"، الرواية التاريخية للأستاذ الدكتور
امحمد لشقر، وكتاب "عبدالكريم الخطابي والكفاح من أجل الإستقلال"،
للمؤرخة والباحثة ماريا روسا دي مادارياغا .
فبتعدد طرق الإدلاء
بالآراء والمواقف تتعدد أيضا القراءات والمقاربات لهذه الذاكرة التي كتب عليها
الكثير، وكتب لها كذلك أن تظل controversé مضطربة، لهذا يحق لنا ان نطرح أسئلة متعددة ومختلفة حول تاريخنا إذا ما كنا
حقا نريد أن نسمي الأشياء بمسمياتها كما كانت فعلا،لا كما أريد لها أن تكون،تحكمها
أحكام جاهزة وخلفيات إيديولوجية تخضع لمنطق الحسابات السياسية سواء كانت هذه
الحقائق التاريخية صادرة عن تقارير ومذكرات المدارس الكولونيالية،او صادرة عن بحوث
ودراسات المؤرخين .
بقلم
الأستاذ محمد أجطار

.jpg)
تعليقات