رأي: فيلم
''أنوال" ورد الممثل الشوبي عن تعليق حول جلباب ابن عبد الكريم في الفيلم
بقلم د.محمد الداودي*
أثناء تصوير فيلم "اسم
الوردة" للمخرج الفرنسي جان جاك أنو، والمقتبس من الرواية الشهيرة بنفس
العنوان للكاتب الإيطالي أومبيرطو إيكو، حضر الممثل شون كونري إلى مكان التصوير
ذات يوم مرتديا صنادله الإسكتلندية، وعندما طلب منه المخرج أن ينزعهما لأنها لا
تتوافق مع السياق التاريخي للفيلم والمشهد، إذ لم يكن الرهبان الفرانسيسكانيون
يرتدون مثل هذه الصنادل في القرون الوسطى. رفض كونري طلب المخرج بحجة أنه يحس
بالراحة عند ارتدائهما. انزعج المخرج لكنه لم يستطع إقناع كونري، فما كان منه إلا
أن صور المشهد مركزا على النصف العلوي لجسم كونري وحدف الجزء السفلي حتى لا تظهر
رجلاه وصنادله في الصورة.
مثل هذه التفاصيل ليست ثانوية
وتبين جدية المخرجين ومديري الصورة والكتاب في صناعة السينما، وهي التي تفرق بين
عمل جيد وعمل عادي وعمل رديء وعمل هاو.
مناسبة ذكر هذه الواقعة هو النقاش الدائر هذه الأيام حول فيلم
"أنوال" والذي أتمنى أن أعود إليه لاحقا. أثارني رد الممثل محمد الشوبي
عن تعليق حول جلباب ابن عبد الكريم في الفيلم والذي لا يمت بصلة للجلابة التي كان
يرتديها هو والزعماء الآخرون، فأجاب الشوبي حسب ما قرأت بأن الجلباب المستعمل في
الفيلم هو "جلباب الأعيان والقادة وهناك جلباب الفلاحين والعمال
والمهنيين". طبعا إلى جانب أنه لا يوجد شيء اسمه العمال والمهنيون في ريف
العشرينيات، فالتمييز الذي يضعه السيد الشوبي لا أساس له. إذ لدينا من المعلومات
ما يكفي حول لباس وأدوات سكان الريف الذين عاشوا في عشرينيات القرن الماضي والتي
يفترض من فيلم يروي أحداثا من صميم هذه المرحلة أن يكون وفيا لها.
أكتفي هنا بنتف من شهادة الصحفي الأمريكي فنسنت شيين الذي عبر الريف من أقصاه
إلى أقصاه سنة 1925 والتقى بالأعيان والقواد والجنود والبحارة والفلاحين والناس
العاديين، وشهادته تؤكد ما نعرفه من أن الجلباب بني وليس رماديا مخططا بالأبيض.
هذه بعض المقتطفات التي أوردها من كتابه "أمريكي بين الريفيين":
عن ابن عبد الكريم:
"لباسه في منتهى البساطة، جلابة بنية منسوجة من الصوف و قميص من كتان نظيف وناصع
البياض". (ص. 194)
عن بحارة معه في قارب
من كلايريس إلى واد لاو:
"يبدو لي أن قليلين جدا في الريف من رأى ابن عبد الكريم. لذلك فإن نظرة هؤلاء البحارة إليه هي مثل نظرة فلاحين لملك شبه أسطوري. وقد اندهشوا عندما سمعوا بأنه يلبس جلابة بنية عادية من الصوف مثل الأشخاص العاديين". (ص. 212)
عن هارب فرنسي في
أجدير:
"استنتجت أنه خادم أو مريض أو أحد
أولئك الذين لا يصلحون للجيش، وإلا فإنه كان ستعطى له الجلابة البنية الأنيقة
والمرتبة والقميص الأبيض اللذان يشكلان اللباس الرسمي َللحرس الريفي." (ص,
176)
عن امحمد شقيق ابن عبد
الكريم:
"يلبس امحمد جلابة الصوف البنية البسيطة الاعتيادية وقميص كتان داخليا أنيقا
وشديد النظافة، وعمامة من شاش أصفر". (ص. 240)
الصور
التالية تؤكد هذه المعطيات: صورة ابن عبد الكريم التي وردت في كتاب شيين، وصورة
التقطها ألفونسو بورتيلا ودياث كاسارييغو سنة 1922 لعدد من "الأعيان" من
بينهم امحمد وموح كيخوطي وعبد الكريم حدو ن سي زيان والحاتمي وأزرقان.
(هذا إلى
جانب تفصيلين آخرين في جلباب الفيلم لا يمتان بصلة للواقع وهما طول الجلباب أكثر
من اللازم والخنجر على جانب الخاصرة والذي لم يكن شائعا بالريف بل كان يستعمل
أحيانا عندما نتوجه غربا نحو غمارة وجبالة).
هامش: هذا تعليق فني تقني وليس الغرض منه
تبخيس أي مجهود.
*منشور على الصفحة
الشخصية للأستاذ محمد الداودي.
%20-%20Copie.jpg)
%20-%20Copie.jpg)
.jpg)
تعليقات