قراءة في رواية الحاج ألِمانْ - غيوم الريف
بقلم الأستاذ رضوان المسعودي
تدور أحداث هاته الرواية ، ما بين سنة 1913 إلى 1939 أي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية ، في جُغرافية ما بين ألمانيا وأنحاء أوربا والجزائر والمغرب ، حيث تُركز على شخصية الحاج ألِمان/جوزيف كليمس ، وعلى المقاومة الريفية في الشمال .
كُتبت الرواية بأسلوب جميل سَلِسل يتّسم بالإبداع ، وهي في مُتناول مُختلف الفِئات العُمرية .. تتحدث هاته الرواية عن الحياة التّاريخية لشخصية جُوزيف كليمس الألماني الذي وُلد وترعرع في دوسلدورف بألمانيا ، والتحق بالجيش الألماني وهو صغير السن حيث لمْ يكن يتجاوز عِشرين سنة من عمره .
عُرف جوزيف بِكونه مُشاغبا مُقاوما باسلاً لاسيما أنه سُجن مرتين بسبب شغبه وعناده وإصراره على محاربة الظلم بطريقته الخاصة وهو الساخط على الأوضاع .. بعدما ، توفيت أمه وتركته حبيبته لم يستطيع البقاء في بلدته بألمانيا فأحس بملل ، رغم الإهتمام الذي توليه له سارة الممرضة ، لذا قرر ، أخيراً ؛ أن يُغادر ألمانيا مُتطوعا - مُرتزقاً في الجيش الفرنسي بالجزائر ثم انتقل إلى المغرب حيث سيبدأ حياةً جديدة ، خاصةً حين هرب من الجيش الفرنسي بمعية بعض أصدقائه ثم التحق بالريف " بالمقاومة " التي يتزعمها المُجاهد محمد عبد الكريم الخطابي ، حيث التقى بحدو الاكحل ، ايطو ، ازرقان ، والريسوني ...
الذي يُحسب أيضا لهذه الرواية المُميزة ، أنها كشفت عن تاريخ مجيد وبطولي للمقاومة الريفية في قالب أدبي بديع يجعلك لا تترك الرواية من بين يديك إلاّ بعد أن تُتممها ، لاسيما نحن أبناء الريف الذين طالعوا كثيرا على تاريخ المنطقة ولهم دراية بالمُقاومة بالريف ؛ الدفاع عن الأرض، معركة أنوال ودهار وابارن وجمهورية الريف - الأسباب والدواعي - ..
المُميز في تعامل الكاتب مع التاريخ ، أنه تعامل ذكي آبان عن فطنة منقطعة النظير ، فبالنظر إلى حجم الصُّعوبات الموجودة في السرد التاريخي ليس بالأمر السهل أن تكتب رواية تاريخية ، لأن الكاتب ، وهو يحاول تقديم فترة تاريخية معينة يكون مسكوناً بهاجس التعامل مع تلك الفترة وهو لم يكن ابن تلك البيئة ولم يعش تلك الفترة إلا ما سمعه ومن الكتب التاريخية التي اطلعا عليها ، وأعتقد تمام الإعتقاد ، أنّ الكاتب إبراهيم أحمد عيسى لديه موهبة جميلة في اختراق جزء من هذا التاريخ والكتابة عنه وتخطي الكثير من الحواجز والأشواك على مستوى اللغة ودقة التفاصيل ..
ملاحظة أخرى ؛ نلمسها عند قراءتنا للرواية هو الشعور الجميل بوصف وسرد الكاتب ؛ كأن كاتب الرواية ابراهيم أحمد عيسى مَرّ بالريف وعاش الأحداث بأدق تفاصيلها ، وكان شاهدا عليها وهو يجالس زعيم الريف بأجدير ، وأنه مُلم بعادات وتقاليد الريف أو هو أحد أفراد المقاومة يكتب سيرته الذاتية .
الحاج ألمان ، غيوم الريف ؛ رواية مميزة ذات طابع أدبي جميل لاسيما أنه تناول تجربة المقاومة بالريف . وتناول قائد الريف أحد أعظم القادة في العالم ، أضف إلى ذلك أن ؛ أسلوب الرواية جميل مُتسلسل وشيق يُسهل تناوله من طرف مختلف القراء الذين يعشقون بحر الكلمات ... رغم حجمها الكبير إلاّ أنها تستحق أن يبحر بها الإنسان ، ويبحث بين دفتها عن الإبداع وما يشفي الغليل ، وبمجرد أن تضع بين يديك لن تتركها إلى أن تُتممها .
*اقتباس :
- " إذاً أنت ألماني .. هكذا هو الأمر في هذا الفيلق ، سأناديك بألمان ، انظر حولك ستجد العديد من الوجوه غير المألوفة، جميعهم فٌقراء وعاطلون وبعضهم مُجرمون ، يبحثون عن فُرص جديدة للحياة ، جميعنا في هذا الفيلق نتشارك نفس السِّمة وهي الهٌروب من واقع مرير وذكرياتنا البائسة ، كما أننا غرباء ، ولكن اعذرني في القول .. أنت لا تُشبهنا ، يبدو عليك أنك شخص مُتعلم .. ربما وُلِدْتَ بمكان راقٍ .. لماذا انضممتَ إلى هذا اللفيف ؟ "

تعليقات