
"أمَّاسْ الريفية" المرأة التي اضطرت لمغادرة الريف هروبا من الجوع.. لتعود إليه مع اندلاع انتفاضة 1958/1959
" أمّاس الريفية": مجرد انطباع عابر *
بقلم الأستاذ رشيد المساوي
اختار "حسين العمراني" العنوان أعلاه لتسمية إصداره الأخير الذي هو حكاية سيرية -و ليس رواية كما ورد في ذيل واجهة الغلاف- جديرة بالإنصات وهي تتعقب المسار الحياتي للشخصية الأساسية فيها التي هي أمّاس، هذه المرأة "العصامية" المنحدرة من إحدى قرى جبال الريف (آيت طاعّا)، و التي ستفرض عليها ظروف الحياة القاسية في أربعينيات القرن الماضي القيام بدورة كاملة استغرقت كل عُمُرِها، حاملة طفليها الصغيرين اللذين يشكلان معنى وجودها، هرباً من القحط و تسلط المجتمع، خاصة بعد أن فقدت زوجها (من آيث بوستة) الذي توفي مبكرا.
وفي هذا الخروج المغامر من الريف ستعيش أمّاس رفقة طفليها مواقف صعبة، لكنها كل مرة ستجد من يمد لها اليد من الناس الأخيار بعد أن تكون السبل قد تقطعت بها، سواء في الحسيمة أو تطوان أو قرية بامحمد. وهكذا ستنجح بكفاحها في إنقاذ طفليها (شعيب، فاظمة) اللذين كبرا معها حتى صارا قادرين على تحمل مسؤوليتهما لوحدهما. وستنتهي الحكاية بعودة أماس إلى مسقط رأسها رفقة ابنيها اللذين صارا رجلا و امرأة، بل إن السارد يختم كل هذا بالإشارة إلى أن "محمد" حفيد أماس (و الذي أمضى سبع سنوات من حياته في السجن بسبب تورطه في جريمة قتل لا إرادية) سيضطر أخيرا هو أيضا إلى الهجرة إلى طنجة لضمان مستقبل لأسرته بعيدا عن أرض الريف.
ما استوقفني شخصيا وأنا أقرأ هذه الحكاية الموغلة في بساطتها لكن العميقة في دلالاتها (والتي قد تكون حكاية واقعية) هو أساسا أمران إثنان، ربما شكّلا الدافع لتدوينها من طرف المؤلف:
فمن جهة هناك علاقة الإنسان الريفي بأرضه؛ إذ رغم قساوة جغرافيتها و حدة طباع ناسها إلا أنه لا يستطيع لا التخلي عن ارتباطه الوجداني بها، و لا التنعم بالإستقرار فيها. وهذه المفارقة العاطفية تجعل كثيرا من الريفيين يعيشون ترحلا مستمرا وتمزقا وجوديا حيث لا تقيم الروح دائما حيث يقيم الجسد.
ومن جهة أخرى - وربما هنا تكمن أكثر أهمية هذه الحكاية - نقف من خلال أحداث الحكاية على وضعية المرأة في المجتمع الريفي وحجم تضحياتها التي غالبا ما لا تحظى بالتقدير الذي يتناسب معها. وهذا ما يفسر في نظري تصدير الكاتب لعمله بإهداء خاص إلى النساء الأرملات اللواتي كافحن وكرسن حياتهن لتربية أبنائهن. وهذا المعطى للأسف ما زال يحتاج إلى مزيد من تسليط الضوء على المجتمع الريفي الغارق في الرجولية، إلى درجة محق وجود المرأة التي كان ينظر إليها في الماضي القريب جدا على أنها مجرد أداة لا يختلف وضعها عن وضع العبد (إسْمَغْ).
وطبعا تحضر في خلفية هذه الحكاية أحداث طبعت المجتمع الريفي خلال الزمن الذي عاشته أماس وهي أساسا "عام الجوع" (1940) الذي عرف فيه الريف جفافا وقحطا نتجت عنه مآسي كثيرة وهجرات كبيرة، ثم "عام الخوذات" (1959) الذي شن فيه المخزن حملة تأديبية على الريفيين كعقاب لهم على المطالبة بحقهم في "دولة الاستقلال".
خلاصة القول إن تدوين هذه الحكاية -رغم بعض الأخطاء التقنية البسيطة التي تضمنتها- يشكل قيمة مضافة حقيقية لحفظ ذاكرتنا الجماعية من النسيان، والاعتراف بتضحيات الذين سبقونا وخاصة النساء، في بقـاء الريف ينبض بالحياة رغم قسـاوة الظـروف.
*تجدر الإشارة أن هذه المساهمة نشرت بالمجموعة الفاسبوكية "قدماء تلامذة ثانوية البادسي"

تعليقات