القائمة الرئيسية

الصفحات

مقتطف مما كتبه مؤرخ مصري عن فلسفة بطل الريف ونظريته في المال


مقتطف مما كتبه مؤرخ مصري عن علاقة مولاي موحند بالمال..
لتعميم الفائدة، أحببنا في مدونة "ثيموزغا" مشاركة قراءنا الأعزاء، ما كتبه أحد المؤرخين المصريين الذين عاصروا الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي عندما أنزل بمصر.. ويتعلق الأمر بالمؤرخ والباحث المصري الراحل" طه عبد الباقي سرور".
وإليكم نص ما كتبه هذا المؤرخ حرفيا:
كراهية عبد الكريم للمال:
"..  الأمير عبد الكريم الخطابي.. رجل لا نعرف له نظيرا من الرجال في كراهية المال لأجل المال، فهو الرجل الوحيد على ما نعرف من رجال التاريخ الذي لا يحمل معه مالا قط، ولا يضعه في جيبه ولا يمسكه في حافظته، ولا يتعامل به، وإنما يترك كل ما يتعلق بأمر المال إلى غيره، كانت تلك قاعدته أيام حرب الريف. فلما نزل بمصر عمل بها، ولا تزال تلك هي عادته حتى يومنا هذا.
إن البطل عبد الكريم يرى المال وسيلة لا غاية، تلك فلسفته التي أخذ نفسه بها طيلة حياته، فهو لذلك لا يحفل بالمال، قل أو كثر، ويبعد عنه ما أمكن. كانت تحت تصرفه الملايين، فما أمسكها ولا أحب حتى أن يراها".
المال لأهل الريف لا للأمراء:
" وهناك حادثة نحب أن نسجلها هنا بعد أن عرض لها كثير من الكتاب الأروبيين الذين كتبوا عن حياة الأمير وشخصيته. هذه الحادثة تدل دلالة واضحة على أن الأمير البطل لا يجب أن يرى المال. وخلاصتها أن الأمير حينما هزم الإسبان في موقعة أنوال الخالدة وأسر منهم الكثير مع كبار القواد والضباط العظام، حدث بعد ذلك أن اسبانيا أرادت أن تفدي الأسرى الموجودين لدى الأمير، فاتفقت معه على دفع غرامة حربية قدرها أربعة ملايين بسيطة، وهي عملة إسبانيا. فلما أحضر المال إلى أجدير، جمع الأمير البطل أعيان البلاد وأخبرهم بأن اسبانيا افتدت أسراها بمبلغ أربعة ملايين بسيطة، وقال لهم:" انظروا في أمر هذا المبلغ وكيفية إنفاقه، فهو لكم خالصا ولا شيء لي فيه مطلقا". فأجابوا بلسان واحد بأن " ليس لنا فيه شيء معك، فأنت قائدنا وأنت الذي تأمر بإنفاقه حسب ما ترى". فقال لهم: " لا، إن هذا المال هو لكم باعتباركم المجاهدين المقاتلين في سبيل الله وإعلاء كلمته، وما أنا إلا واحد منكم". فقالوا: "نحن نعرف ذلك ولكن لا نقبل أن نتصرف في شيء منه بدون رأيك وأمرك، فأنت قائدنا في كل شيء، وهذا المال هو مما وليناك عليه، فانظر ماذا تأمر". واقترحوا أن يتولى الأمير عبد السلام أمر إنفاقه. فوافق الأمير على هذا الرأي بعد أن قال لهم: "اسندوا أمر المال إلى من تشاءون، وإني أفضل ألا يتولاه أحد من عائلتي". فألحوا على الأمير بأن يبقى هذا المال في يد الأمير عبد السلام باعتباره موضع ثقة الجميع لا باعتباره من بيت الأمير فحسب، فنزل بطل الريف عن رغبتهم، واستلم الأمير عبد السلام هذا المبلغ لينفقه على المجاهدين وحاجاتهم."
فلسفة بطل الريف:
"وإنك لترى في هذه القصة أن بطل الريف كان شعاره دائما وأبدا البعد كل البعد عن كل ما له علاقة بالمال- حتى أنه أبى أن يستلم الفدية الإسبانية رغم إلحاح المجاهدين، وترك أمر ذلك لهم وحدهم، واعتبر أن هذا المال هو حقهم الطبيعي، وهو إنما جاء بفضل صدق جهادهم، وهم اختاروا أن يتركوا للأمير عبد السلام .. أن يتولى أمر المال لما يتمتع به من ثقة مطلقة لا حد لها بين هؤلاء المجاهدين الأبطال الذين زهدوا أفرادا وجماعات في الدنيا وزخرفها وراحوا يطلبون الجنة ونعيمها مرضيين.
وبعد ذلك، فلعلك عرفت شيئا موجزا عن فلسفة بطل الريف ونظريته في المال. كما عرفت أشياء موجزة عن الرجل المومن الصادق المجاهد الأمير عبد السلام، رضي الله عنه وأرضاه".
المرجع:
طه عبد الباقي سرور، ورد في الباب السادس المعنوان بـ"بعض المقتطفات من التاريخ" من كتاب "أسد الريف، محمد بن عبد الكريم الخطابي، مذكرات عن حرب الريف" لصاحبه محمد محمد عمر القاضي، الطبعة الثانية 2006، ص ص 213-214.
-------------
نبذة عن المؤرخ والباحث المصري طه عبد الباقي سرور
طه عبد الباقي سرور: كاتب وباحث مصري، اهتم بالتنقيب في تاريخ التصوف الإسلامي، وألف فيه العديد من الكتب التي عُنِيَ فيها بدراسة أعلام المتصوفين، فجاءت كتبه محيطة ومدققة وغنية في بابها.
من مؤلَّفاته: «الغزالي»، و«شخصيات صوفية»، و«من أعلام التصوف الاسلامي»، و«الحسين بن منصور الحلاج شهيد التصوف الإسلامي»، و«رابعة العدوية والحياة الرُّوحية في الإسلام»، و«محيي الدين بن عربي»، و«أبو عبيدة بن الجراح»، و«الشعراني والتصوف الإسلامي»، و«دولة القرآن» وغيرها، وله أيضًا: «خديجة زوجة الرسول»، و«جمال عبد الناصر: رجل غيَّر وجه التاريخ»، و"أبو القاسم الشابي: شاعر الشباب والحرية"
تُوُفِّيَ بالقاهرة سنة ١٩٦٢م.
(المرجع موقع مؤسسة هنداوي)


تعليقات

التنقل السريع