القائمة الرئيسية

الصفحات

أجداد إريفيين بين التاريخ وهذيان الدغرني في كتابه"حراك الريف"


أجداد إريفيين بين التاريخ وهذيان الدغرني في كتابه"حراك الريف"

صدر مؤخرا كتيب جديد للأستاذ أحمد الدغرني تحت عنوان "حراك الريف: التأصيل والامتداد" (الطبعة الأولى: فبراير 2018)، ومن خلال قراءتي لبعض المضامين الأساسية من الكتيب استوقفتني عدة أمور، أعتقد أنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة التاريخية. منها ما يرتبط بأصول الحراك الريفي الذي يربطه السيد الدغرني وفي تطاول سافر على التاريخ، بالأصول الزناتية، للمكون البشري الذي تشكل منه الحراك بالحسيمة (انظر ص ص:4-5 من الكتيب). ومنها ما يرتبط بتركيزه وترويجه لبعض الأمور والمبالغات التي من المرجج(من الناحية السياسية) أن تكون مقصودة تتعلق بالمرحلة الآنية – أي فترة انطلاق الحراك إلى حدود صدور كتيب "الدغرني" و تجاوزه لمحطات عديدة ذات الصلة والأهمية بتلك المرحلة. حتى أنه لم يكلف نفسه بتحيين معطيات عدة، وقفزه أيضا، على العديد من المحطات التاريخية بالريف، أو حتى تنبيه القارئ إلى تاريخ كتاية المقالات التي يحتويها مؤلفه، كما تقتضي بذلك المنهجية العلمية، فذا الكتاب،  ليس سوى تجميع لمقالات نشرت بين الفينة والأخرى..هنا وهناك.. لا مجهود واجتهاد يقدم أجوبة وحلول للوضعية الآنية.. بل من الصعب حتى تصنيفه ضمن العمل التوثيقي.
هذا، ناهيك عن ملاحظات أخرى عديدة على مستوى الشكل والمضمون (العنوان والمنهجية المعتمدة وكذا طريقة صياغات عناوين بعض مقاطع- مقالات الكتاب..)
عبر هذه المحاولة المتواضعة، سنقف فقط عند الشق الأول مما كتب أعلاه، على أن نترك الشق الثاني لمناسبة لاحقة، كون المرحلة لا تستدعي "إحراج" أي أحد، رغم أن المنطق والقاعدة التي ينطلق منها أي باحث هي " لا حياء في العلم والدين".
قلت، أن السيد الدغرني في تقديم "الكتيب" يحاول أن يربط من الناحية التاريخية الحراك بالأصول الزناتية، ومما جاء فيه: ".. ويحاول الزناتيون في بلاد ليبيا والجزائر والمغرب استعادة نفوذهم الذي فقدوه بسبب سقوط المرينيين والوطاسيين، والزيانيين، وقيام دولة السعديين والعلويين، ودخول القوى الاستعمارية، التركية والفرنسية والايطالية، والاسبانية الى شمال افريقيا والساحل.. " ويضيف " وهنا يبرز حراك الريف في نظري ضمن نوبة الزناتيين في وقت تروج فيه مصطلحات الجهوية، والحكم الذاتي، وتقرير المصير، والجهوية المتقدمة، والانفصال، والوحدة.."(ص ص: 4-5) ليستدرك بعد ذلك السيد الدغرني الأمر ويتجه إلى :".. اعتبار قبائل الريف تنتمي إلى جذرين أمازيغيين قديمين هما: زناتة وصنهاجة " (ص: 43)، ليعود مجددا إلى اعتبار الزناتيون أجدادا للريفيين: ''يعرف الناس  أن سقوط دولة الموحدين هو سقوط حكم أهل سوس والأطلس الكبير (المصامدة) وقيام دولة المرينيين هو نوع من تداول الحكم بين المصامدة ـ والزناتيون (أجداد الريفيين وكثير من سكان ليبيا والجزائر الحالية). الدغرني ص:65.
لا أدري أي مرجع اعتمد عليه المحامي الدغرني بخصوص كون الزناتيون أجدادا للريفيين،أيكون الأستاذ الدغرني اعتمد على الجغرافي المسمى ابن حوقل( 977 م) الذي وضع لائحة لاحياء"البربر" وفصائلهم، رغم إقرار واعتراف ابن حوقل بضعف معلوماته بهذا الخصوص؟ فأصلا الأستاذ الدغرني لم يحيلنا على أي مرجع أو مصدر. فراح يكتب على هواه كل ما يخطر في باله؟؟
فالدغرني تعامل بمنطق أولئك الذين يقولون بأن بلدان شمال افريقيا بلدان "عربية" فقط لأن بعض مؤسسيها ينتسبون/أو ينسبون أنفسهم إلى المشرق.. فلنفترض أن بعض الدول التي أنشئت وأسست، أو قل كان لها نفوذ قوي بالريف كان أحد مؤسسيها من أصول زناتية، فهل يعني أن الساكنة "ستتزنت معهم" أيضا، فالمراجع التاريخية و مجموعة من الباحثين، من الذي تناولوا تاريخ الريف منذ القدم ومكونه البشري، يرجعون أصلهم إلى صنهاجة وغمارة، ثم في فترة من التاريخ استقرت بالريف عناصر زناتية، بل، وبصدد حديثنا عن الحراك فقبائل إقليم الحسيمة – على الأقل-  كلها صنهاجية ". وهنا تحضرني بعض مقتطفات التي تحدثت عن المنطقة؛  ومن زاوية الجذور الكبرى لساكنة شمال افريقيا، حيث نجد الصنهاجيون ومختلف تفرعاتهم القبلية والزناتيون وتفرعاتهم القبلية..
وإليكم بعض من هذه المقتطفات الموجزة التي قد تكون غابت عن السيد الدغرني أو حاول تغييبها:
"..وإقليم الحسيمة كان يسمى مقاطعة الريف، نظرا لوجود القبائل الريفية الخالصة وهي قبائل صنهاجة بادس على ما كتب في التاريخ.." أحمد البوعياشي، حرب الريف التحريرية ومراحل النضال، ص 109..  
وأن " القبائل الصنهاجية كبني ورياغل وبقوية قد اعترفت بالأمر الواقع، ولم تجد بديلا عن الانضمام إلى الحلف البطوئي الذي ربما بدا لها كإطار قبلي-سياسي مناسب لخوض الصراعات المحلية من أجل الزعامة، وبالأخص تجاه كتلة صنهاجة السراير التي أرغمت –كما يقول الكاتب الفرنسي روبير مونطاني – على التراجع إلى أعالي الريف الأوسط في ظروف غامضة.(محمد أونيا "مفهوم الريف المغربي" حوليات الريف، العدد الاول، السنة الاولى،1998/1419،ص 24)..
 وإذا " تذكرنا أن قبيلة بني ورياغل وبقيوة تقعان غرب نهر النكور وإلى حدود نهر بادس.. وإذا علمنا أن بني ورياغل وبقوية من قبائل صنهاجية (ابو عبيد البكري، المغرب في ذكر إفريقية والمغرب، باريس،1965، ص 91، نقلا عن محمد اونيا)..
"كانت سلسلة جبال الريف وساحلها موطنا لعدة قبائل من أصل صنهاجي وغماري... فالعناصر الصنهاجية والغمارية ثم الزناتية شكلت النواة الأصلية لسكان الريف قبل أن تتراجع الجماعات الغمارية الى مواقعها الحالية الواقعة بين نهر أورينكا شرقا إلى واد "لو" بسبب تعرضهم للهجمات الصنهاجية..'' عبد الرحمان الطيبي،''الحدود الجغرافية لقبائل الريف الأوسط" مجلة جوليات الريف، ص 45
ربما الأستاذ الدغرني غير ملم بتاريخ الريف أو بعض جوانبه ومناطقه، وهو ما يتأكد لنا في نفس الكتيب عندما يقول الدغرني حرفيا: "يصادف عيد الأضحى في كل عام بمنطقة بني ورياغل(الحسيمة) موسم أحد صلحاء الريف المشهورين يسمى "سيدي بوخيار'' يسمي الناس ضريحه بحج المساكين تمارس فيه طقوس موسم الحج كما تجري بصورة أخرى في السعودية في عيد الاضحى، من طرف الفقراء الريفيين الذين لا يمتلكون الأموال للسفر إلى السعودية، وتعرفت على "سيدي بوخيار" هذا العام عندما كنت في زيارة للحسيمة قبيل عيد الاضحى سنة 2017، ولم أكن أعرفه أو سمعت به من قبل." الدغرني  ص ص:66-67.
للأسف !لا أعتقد كيف لشخص يكتب على الريف وعلى منطقة الحسيمة بالتحديد، لم يسبق له أن سمع بضريح الوالي الصالح سيذي بوخيار، وهو الوالي الذي ورد في عدة مراجع منها بحوث جامعية، ومقالات وملفات في بعض الجرائد ، وانتظر حتى سنة 2017 ليعلم بذلك ؟؟؟
هذه ملاحظات سريعة بخصوص هذا الكتيب.وعلى أي، فلا بأس من القول أننا نحن إيمازيغن دائمي التكرار لتلك العبارة "إعادة قراءة التاريخ وتصحيحه"؛ ولا نستحي من تحريف هذا التاريخ، والكتابة عنه، وللأسف بدون مصادر أو مراجع.
 فالجميع مطالب بمعرفة تاريخه؛ بأقراحه وأفراحه.. فـ"التزوير/التحريف" أو عدم الإلمام بجوانب هذا الماضي، هو بمثابة فقدان بوصلة وخريطة استشراف المستقبل، فالأمر شبيه بالجغرافي الذي يدع القافلة تنطلق لعبور صحراء ما، وبيد رائدها خارطة يعلم هو أنها خاطئة، فمعرفة الماضي لهي كالخارطة في يد الرائد. يعتمد عليها لا الساسة فقط، بل جميع المواطنين ليفهموا كيف وصلوا إلى المرحلة التي هم فيها الآن ويختاروا الطريق السلمية لتجاوزها، بمقدار ما تكون هذه المعرفة صحيحة بمقدار ما يكون فهم الحاضر مصيبا وتحضير المستقبل موفقا.
فليس عيبا أن نقول "الحقيقة التاريخية" أو أن نصحح لبعضنا البعض الأخطاء والهفوات. لكن ! على الأقل من  يتناول حدثا أو فترة من التاريخ، يجب أن يدعم ويعزز ما يقول بالمصادر والمراجع التي كانت سندا وبوصلة له في التنقيب والبحث الذي بصدده. حتى وإن كان ذلك مصنفا ضمن المراجع المشكوك فيها وعديمة العلمية..
فمعذرة! الأستاذ الدغرني، إن وصفنك بـ"الهذيان" وربما قلة المعرفة بتاريخ الريف أو بصدد المنطقة الريفية التي تتحدث عنها؛ فقلة المعرفة والإلمام بتاريخ المنطقة نستشفها من مقالاتك المبعثرة دون تصفيف أوتصنيف في هذا "الكتيب" وأمور أخرى لا تسع هذه المساهمة التطرق إليها.
فلا أحد سينفي أن الزناتيون أصبحوا في فترة من التاريخ من العناصر المشكلة للريف، لكن أيضا لا أحد سينفي أن أجداد إريفيين هم الصنهاجيون والغماريون – ومن ثم الزناتيون أيضا- كما يجب أن نبتعد ما أمكن عن "القيام بعملية سقوط الطائرة في الحديقة" في كتاباتنا وأبحاثنا.
ختاما أتمنى أن أكون قد ساهمت في إزاحة اللثام- كما يقال- بهذه المعطيات التاريخية الموجزة المتعلقة بأصول الريفيين عن ما تطرق له الأساذ الدعرني، والتي ربما قد يعتبرها البعض غير "صحيحة" أو لسيت في محلها، دون أن يكلف نفسه بالبحث من أجل دحضها، بإفادتنا بمراجع قد تكون غائبة عنا. فنحن وبكل "روح علمية" في أمس حاجة لمن يفيدنا ونستفيد منه.
إحالات:
1.     أحمد الدغرني،"حراك الريف: التأصيل والامتداد"،الطبعة الأولى: فبراير 2018.
2.     أحمد البوعياشي، حرب الريف التحريرية ومراحل النضال، الجزء الأول،مطبعة دار امل، طنجة.
3.     محمد أونيا "مفهوم الريف المغربي" حوليات الريف، العدد الاول، السنة الاولى،1998.
4.     عبد الرحمان الطيبي،''الحدود الجغرافية لقبائل الريف الأوسط" مجلة جوليات الريف،مرجع سابق.
5.     حوار مع المؤرخ جرمان عياش،مجلة تاريخ المغرب،3 منشورات جمعية الامتداد الثقافي.
بقلم س .م بتاريخ 6 مارس 2018.

تعليقات

التنقل السريع