القائمة الرئيسية

الصفحات

محمد بن عبد الكريم الخطابي ما بعد لاريونيون: من الإنزال إلى جيش التحرير،محفزات و عوائق



مولاي موحند ما بعد لاريونيون:
من الإنزال إلى جيش التحرير،محفزات و عوائق
 ذ.عبد الوافي المساوي


1/ ملابسات الإنزال بمصر:
     ” خلال سنوات المنفى الأولى فكر عبد الكريم الخطابي في تقديم طلب إلى الحكومة الفرنسية لنقله إلى تونس أو الجزائر.و في سنة 1932 زاره ضابطان فرنسيان و حملهما مذكرة بهذا الشأن،موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء الفرنسي،و بعد التشاور مع الحكومة الإسبانية،حسب ما تقتضيه اتفاقية 1926،أجابت الحكومة الفرنسية بالرفض،بحجة أن عودة الخطابي ستشكل مضايقة كبرى بالنسبة إلى جيراننا،إن الحرب بين إسبانيا و الريف،اكتست طابعا عنيفا لا يمكن محو ذاكره”(1).” و بالمناسبة بعث عبد الخالق الطريس مقاله إلى صحيفة في (المساء) القاهرية تحت عنوان: “الزعيم عبد الكريم” نافيا الخبر من أساسه قائلا: أشيع في هذه الأيام أن الزعيم ضاق ذرعا في منفاه،و أنه طالب الحكومة الفرنسية في إطلاق سبيله مرات عديدة على أن يعود إلى موطنه” و علل الطريس نفي الخبر بأن فرنسا خصصت للخطابي “قصرا من أفخم قصور الجزيرة (..*..)و ختم مقاله بالإشارة إلى أن عبد الكريم ” لا أظنه ينزح لغير لبد شرقي يعيش فيه مطمئنا حتى تزول العقبات التي تحول دون إقامته بين مواطنيه.. !!.لم يحدد الطريس نوع العقبات التي تحول دون عودة الخطابي،و هي عقبة الاستعمار بطبيعة الحال،فإذا كانت إسبانيا عارضت بصراحة،فإن الطريس يعارض بلباقة”(2).
     ” و في سياق البحث عن أسباب القرار الفرنسي،يرى علال الفاسي أن فرنسا هدفت من ورائه “تهديد جلالة سلطان المغرب ظنا منها أن في إمكانها استغلال الأمير و أخيه في إرغام جلالة الملك على قبول الانضمام إلى الاتحاد الفرنسي”. و نزول عبد الكريم في مصر “وضع حد الطمع الفرنسيين فيه” والاتجاه نفسه يشير إليه عبد الخالق الطوريس الذي يؤكد ” أن الوطنية المغربية في الشرق قد أسدت للبلاد خدمة من أجل الخدمات،إذ سلبت من فرنسا ذلك السلاح الذي كانت تريد تركه مشهرا ضد السلطان و الحركة الوطنية…”و أضاف أنه بنجاح عملية النزول “أرحنا ملكنا و سفهنا مناورة و كسبنا دعاية”.و يوضح عبد الكريم غلاب من جهته أن فرنسا ( بنقلها*لعبد الكريم من جزيرة لاريونيون)كانت ترمي إلى نوع من (الابتزاز و الضغط).. !! “(3).
   إن أطماعهم و هوسهم المرضي للسلطة و الجاه هو الذي جعلهم يفكرون بهذا المنطق،ظنا منهم أن مولاي موحند من طينتهم و تناسوا أن عروضا عديدة تقاطرت عليه من أجل تخليصه من المنفى وتمكينه من السلاح و القوة.” ففي إطار الصراع الألماني-الفرنسي،عرض النازيون سنة 1936على عبد الكريم الخطابي فكرة (تهريبه) من المنفى و تمكينه من شمال إفريقيا…بيد أن العرض،بما حمله من مغريات،لم يكن ليحوز على قبول عبد الكريم،إذ لم يرى فيه فائدة ترجى للوطن،و إنما هو نكاية بفرنسا فقط. و للسبب ذاته رفض في السنة الموالية (1937) عرضا مماثلا تقدمت به المخابرات الإيطالية.كما كشفت سلطات الجزيرة عن محاولة ثالثة من تدبير الشيوعيين الفرنسيين بالتعاون مع رفاق روسيين،دون أن يعلم بها الأمير”(4).
2/ تأسيس لجنة التحرير:
بعد إنزال” (5) مولاي موحند بمصر حاول زعماء الحركة اللاوطنية الالتفاف حوله لأهداف خاصة يوضحها محمد أمزيان كالتالي:”و كان التفاف الزعماء الحزبيين حول عبد الكريم يدخل في إطار مرحلي نفعي،يرمي إلى تكوين نفوذ خاص بهم لدى الأوساط العربية و الإسلامية،و إلى تحسين مركزهم أمام المواطنين في الداخل باستغلال رصيده التاريخي و (أسطورته) التي يحتفظ بها الوجدان الشعبي”(6)و “كان بعض الزعماء السياسيين يحرصون على “أخذ صور بحضرته لادعاء الاتفاق معهم و كونه يعمل و إياهم في صعيد واحد و من أنه يؤيدهم فيما يفعلون”(.(7
رغم نواياهم الغير السليمة و دسائسهم حاول مولاي موحند في البداية أن ينظمهم لمصلحة الوطن ” وكان بديهيا بعد تأسيس لجنة التحرير،أن تحل محل مكتب المغرب العربي الذي لم يعد لوجوده أي مبرر… و فعلا اقترح بعض السياسيين من أعضاء اللجنة إيقاف نشاط مكتب المغرب العربي لأنه قائم على الحزبية..لكن البعض الآخر ألح على ضرورة الإبقاء عليه..و يبدو أن إلحاح الجانب الآخر على بقاء مكتب المغرب العربي هو الخوف من ذوبان أشخاصهم في اللجنة بوجود الخطابي كشخصية تاريخية و بلغ التشبث بمكتب المغرب العربي درجة دفعت أحد الناشطين فيه،و هو عبد الكريم غلاب،إلى القول بأن لجنة التحرير انبثقت من أجل العمل العسكري ترضية للخطابي”(.(8
إن سبب رفض مولاي موحند لبقاء مكتب المغرب العربي من داخل لجنة التحرير راجع إلى كونه قائم على الحزبية كما سبق الذكر ف “لا يصح أن تقوم أحزاب سياسية في شمال إفريقيا مادامت البلاد محرومة من الاستقلال (..*..)إن مشكل المشاكل ليس وجود الأجانب ببلادنا.و إنما التفرق و الخلاف والشقاق”(9). ” لقد كان الخلاف بين الإخوة دائما هو السبب في القضاء على آمالنا”(10). ويضيف قائلا “و قد وجهت نداءات عدة إلى الشعب المغربي أدعوه إلى الوحدة و جمع الكلمة لتحقيق أهدافها و هي الاستقلال التام و محاربة المستعمر بطريقة مجدية فعالة،غير أن بعض الأحزاب الموجودة في هذه اللجنة تسعى دائما لعدم الانصياع لهذه الدعوة،و فضلت أساليبها و احتكار الحزبية والمناصب على تحقيق الأهداف…و الأدهى و الأمر أنهم يحاربون بعضهم بعضا في كل قطر من هذه الأقطار الثلاثة فنسوا المحتل و شغلوا عنه بما قام بينهم من منازعات شخصية داخلية”(11).”و من سوء الحظ أنني عشت لأرى أفكاري هذه تتشتت،و لأشهد مصارعها واحدة إثر الأخرى.فقد دخلت الانتهازية،و حمى المتاجرة في قضيتنا الوطنية (..*..)و وجد من بين أعضاء هذه اللجنة (..*..) من يسعى لتفتيت وحدة قضيتنا و تجزئتها…و قد تعذبت كثيرا و أنا أرى أنني عاجز عن مقاومة هذا الفساد الطاغي. و عندما ظهر تماما أنني لا أستطيع المضي في هذا الطريق الملتوي انسحبت و قطعت كل علاقاتي بإخواني الموجودين في مصر،و لكنني على صلة بشعبي”(.(12
3/ تأسيس جيش التحرير
و إذا كان عبد الكريم الخطابي قد قطع علاقاته مع أعضاء لجنة  التحرير،فلا يعني ذلك اعتزاله العمل.بل انصرف إلى التوجيه المباشر للشعب عن طريق المنشورات السرية و النداءات المذاعة  و إلى تنظيم الوافدين عليه و إعادتهم إلى بلدانهم لإعداد المقاتلين للكفاح المسلح.و كان ذلك أيضا سببا من أسباب القطيعة”(13).” و تكونت النواة الأولى لجيش التحرير من :المتطوعين المغاربيين في حرب فلسطين سنة 1948،و المجندين في الجيش الفرنسي للقتال في الهند الصينية،و الذين كان الخطابي يحرضهم على الفرار و الالتحاق به في القاهرة،و من الطلبة الوافدين إلى الشرق للدراسة و من الحجاج المغاربيين”(.(14
و كانت هناك “خطة لإعداد كوادر عسكرية و إدارية،تقوم على جلب أكبر عدد ممكن من الطلبة المغاربيين و إلحاقهم بالكليات العسكرية في المشرق العربي. و على هذا الأساس توصل الأمير عبد الكريم الخطابي إلى اتفاق مع المسؤولين العراقيين و السوريين تقضي بقبول البعثات الطلابية المغاربية للدراسة على نفقته.
و في هذا الإطار وصلت أول بعثة عسكرية إلى العراق يوم 17 أكتوبر 1948 مكونة من ثمانية طلاب”(15)،و هم كالتالي:”من المغرب : عبد الحميد الهاشمي(وجدة)،حمادي لعزيز الريفي (تطوان)،حدو أقشيش(الحسيمة)،الهاشمي الطود ( القصر الكبير).ومن تونس:الهادي عمر (حمام الأنف)،يوسف العبيدي (سوسة).ومن الجزائر: محمد بن إبراهيم القاضي (باتنة) بالإضافة إلى التونسي عز الدين عزوز الذي تخرج من الكلية العسكرية في دمشق و عمل في الجيش السوري”(16)،هذه البعثة ” (..*..) أنهت تكوينها في غضون سنة 1951،و وصل الفوج الثاني إلى بغداد يوم 17 أكتوبر 1950،برفقة الملحق الثقافي العراقي في سفارة العراق بالقاهرة،و كان في توديعهم الأمير امحمد الخطابي”(17).” و في القاهرة،أخذ عبد الكريم يشرف على التدريبات العسكرية التي يقوم بها عسكريون من بلدان شمال إفريقيا و ذلك في موقع الكتيبة رقم 13 بمعسكر”هاكستيب”،و الذي وضعته السلطات المصرية تحت تصرف الأمير الخطابي خصيصا لهذه الغاية”(18).” و كانت العناصر التي أنهت تكوينها تسند إليها(..*..)مهمات سرية في بلدان المغرب الكبير،لإعداد الظروف الملائمة لتكوين جيش التحرير،و البعض الآخر،يقوم بمهمة التدريب في معسكر “هاكستيب” المذكور”(19)،” و في الوقت ذاته كانت اتصالات الخطابي بمن كان يطلق عليهم (جماعة العزيمة) تتم بصورة منتظمة. و كانت هذه الجماعة توافيه بتقارير ميدانية مسهبة عن مراكز العدو و استحكاماته و الأسلحة و غير ذلك من التفاصيل الدقيقة.و بناء على تلك التقارير،وضع عبد الكريم الخطابي معالم”خطة حرب التحرير”مؤرخة في 5 مارس 1949″(.(20
و إجمالا تستند خطة حرب التحرير على العناصر الآتية :
- مسح طوبوغرافي لميدان المعارك.
-تشكيل وحدات صغيرة منظمة قادرة على سرعة التحرك.
-اختيار قيادة محنكة مقبولة لدى الشعب.
-تشكيل جيش احتياطي منظم .
- الاهتمام بالتموين.
-الاهتمام بهندسة الميدان.
-الاهتمام بتنظيم وسائل الاتصال.
-السرعة في التنفيذ و الالتزام بساعة الصغر.
-عنصر المفاجأة .
-عزل العدو بقطع وسائل الاتصال و المواصلات (الهاتف و الجسور(.
-تنظيم المناطق المحررة.
-الالتزام بأخلاقيات الحرب (احترام الأسرى و الرهبان و رجال الدين(.
- استمالة الضباط و الجنود المغربيين العاملين في جيش الاحتلال”((21
و تنفيذا للبند الثامن من خطة حرب التحرير القاضي بالالتزام بساعة الصغر “(..*..) اندلعت معارك جيش التحرير في المغرب في أوائل أكتوبر 1955،و تركزت في الريف الأوسط و بصفة أخص في المنطقة المعروفة ب (مثلث الموت) الواقعة بين أكنول و بورد و تيزي وسلي.و جاءت هذه المعارك متزامنة مع ثورة وهران في الجزائر (2 أكتوبر 1955) التي نظمت بالتنسيق مع الثوار المغاربة مما جعل الفرنسيين يشعرون بصدى الخطر الذي بات يهددهم في شمال إفريقيا”(23)،” و لذلك قررت (فرنسا*) أن (تضحي بالجزء لئلا تخسر الكل) فركزت جهودها العسكرية على الواجهة الجزائرية،و الجهود السياسية على الواجهة التونسية المغربية،لاسيما بعد هزيمة الفرنسيين أمام قوات التحرير الفيتنامية”(.(22
المصادر و المراجع:
 (..*..)الكلمات و نقط الحذف بين قوسين فوقهما نجمة هي إضافات شخصية.
1) منشورات اختلاف،عدد 12،محمد بن عبد الكريم الخطابي:أراء و مواقف.د محمد أمزيان،ص 65.
2)نفس المرجع،ص65-66-67
3)نفس المرجع،ص84-85
4) منشورات اختلاف،عدد 12،محمد بن عبد الكريم الخطابي:أراء و مواقف.د محمد أمزيان،ص 67-68 نقلا عن المنفى الجزء الثاني ص 207 و 213.

-(5منشورات اختلاف،عدد 12،أراء و مواقف محمد أمزيان،ص 156.
-(6نفس المرجع،ص 157.
-(7نفس المرجع،ص 156-157.
-(8نفس المرجع،ص 160-161.
-(9مقولة لمولاي موحند، نفس المرجع،ص162.
-(10نفس المرجع،ص163.
-(11 نفس المرجع،ص163-164.نقلا عن المجلة المصرية (آخر الساعة)18/07/1952،و الخطاب أعلاه يعود لمولاي موحند.
-(12نفس المرجع،ص165.
-(13 نفس المرجع،ص165/166.
-(14 نفس المرجع،ص 166.
-(15نفس المرجع،ص166 هامش 2.
-(16نفس المرجع،ص166/167 نقلا عن الأهرام 23/06/1950.
-(17نفس المرجع،ص167.
-(18نفس المرجع،ص167.
-(19 نفس المرجع،ص167-168.
-(20نفس المرجع،ص 171.
-(21نفس المرجع،ص 177/178.
-(22 نفس المرجع،ص179.

تعليقات

التنقل السريع