نزهة على أريكة و إطلالة سريعة
محمد الزناكي
في العادة
يختلط سؤالان يبدوان للوهلة الأولى كشيئين بينهما مرآة، فتصبح الصورة طبقا لأصل
تكون الإجابة عنه غاية في التعقيد. تتحول الصورة بعملية العكس هذه إلى أصل موهوم
يتم دراسته والإجابة عنه. حسب الفيزياء الكلاسيكية فإن الشيء يتميز بثلاث أبعاد
تحدد وجوده عن الشيء الآخر،وهي الطول والعرض والعمق (الإرتفاع)، وحسب قانون المرآة
فإن الصورة حتميا لا تملك لنفسها البعد الثالث فتبقى محتفظة ببعدي الطول والعرض
فقط.
لنرى السؤالين
ونعرف الفرق بينهما،أي الفرق بين الأصل والصورة .
1-
كيف أمارس؟
2-
كيف أستطيع أن
أمارس ؟
لتقعيد الكلام فإن المقصود بالممارسة هنا
الممارسة السياسية لممثلين عن المجتمع المدني في مقابل دولة المخزن، وحتى نتجاوز
أكاديمية المفاهيم سنعتبر المجتمع المدني حزمات -كل منها ذات اتجاه واحد- لتكتلات
بشرية مهما كبرت أو صغرت تسعى للدفاع عن قضية مكتملة الأجزاء، أي أننا سنتجاهل أو
سنهمل من يسلك الطريقة الإختزالية في تعامله مع ثنائية النظرية والممارسة .
يحمل السؤال
الأول في طياته رؤية وجودية من حيث كون الكيفية تعني خصوصية وتمايز (وربما تميز)
نابعين من قراءة الذات قبل الآخر(المخزن)، أي تحديد إحدى العلاقتين اللتين ستحددان
الوصفة النهائية لمقاربة ستلعب دور مجال الإحتماء من خطر التآكل ثم الإنقراض، لضيق
الإختيارات تحتم على هذه الرؤية أن تحسم في"التكامل أم التنافي". يستوجب هذا
الحسم قرارا قاطعا لايمكن الرجوع فيه وإلا غابت عنه تلك الرؤية الوجودية التي
يضفيها عليه طابع البعد الثالث المتشبع بقيم المنطق بحيث لايمكن انوجاد الوجود
والعدم في ماهية الشيء، كأن نقول أن المستقيم يمر عبر مسارين مختلفين ، إن ما يميز
حسم هذا السؤال هو ضيق فضاء الإشتغال باعتباره يستلزم سلفا نفي كلية الفضاء
الممنوح والمتاح، وبالتالي سيختار أن يواجه إما القوة أو الكثرة أو هما معا.
من الجهة
الأخرى فإن السؤال الثاني يتغذى كليا من عملية الإنصهار التي تؤمن بعبثية الخليط ،
فالهاجس هنا هو الممارسة وليس الكيفية ، وما يؤطرها موضوعيا هو نكران الذات المطلق
، إن هذا القول لاينفي انعدام المنطق في هذه الممارسة فهي تعتمد قاعدة هندسية
تتكاثر فيها نقط التقاطع بتكاثر المستقيمات (Xمستقيم =Yنقطة تقاطع) ،
فيصبح لزاما عليها البحث عن الشركاء بنهم وعطش.إن هذه الممارسة موسومة بتبعية
عقائدية لمسار المتغير السياسي المتحكم فيه، أي أنها ستكون محبوسة بمتاهة العود
الأبدي المفروض من رسم هذا المسار المبني على الخديعة السياسية، وبالتالي فسؤال
"التكامل أم التنافي" يصبح غير مطروح بقدر ما يطرح الإختيار منزلة بين
فضاءين قائمين ،أي منزلة موضوعة على فراغ زمكاني فينتفي العمق بانتفاء الفضاء.
في دولة كدولة المخزن، تقتضي الممارسة السياسية
بداية تحصين الذات من زاوية الموقع الإستراتيجي المتموضع في فضاء منزه عن تشوه
بفعل القوى الخارجية المتمثلة في أذناب المخزن، الساعية بالطبيعة الجينية إلى توجيه
الحراك نحو خندقته أو إلحاقه بالركب الرسمي ولو في جوانب الخطاطة. إنه لمن نافذ
القول هنا أن فكرة غمس إحدى جوانب الذات المادية في عملية يشترك فيها من سولت له
نفسه من الفضاءين لهي رحلة بلا عودة مادامت الفكرة قائمة كعقيدة لآلية الممارسة،
أي أن العودة ماهي إلا عملية تقديم نقد ذاتي والضرب في مسار هذه العملية كليا
اللهم المكسب الشخصي لذات قادرة على الإنتاج مستقبلا.
تتجه السياسة
المخزنية في الفترة الأخيرة ،والتي تتزامن واندلاع حراك عنيف في مجموعة من الدول
التعريبية أو/و الشمولية ، نحو هندسة خريطة واضحة المعالم لحركة أمازيغية ستتسم
بقطبية ثنائية صلبة وستفرز نخبة محاورة جديدة ستضعف و تقوى حسب حسن استعمالها في
تحريك وتوجيه الأمازيغية، الشيء الذي يتطلب فطريا طبخا على مقاس لوجوه قادرة على
هضم إنزال القضية الأمازيغية إلى المزاد العلني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مذهب
هذه السياسة موروث سلفا من تعامل الإستعمار الفرنسي في استحداث نخب
"وطنية" تقوم مقام المعبر الرسمي عن ما يريده الشعب المغربي.
لعل ما يقوي
هذا القول ، الخرجة الإعلامية الأخيرة لأحد رواد الإيركام،والتي أنتجت رائحة توافق
ملغومة ومبنية على إظهاره ذلك البطل الذي يقر بكون الملكية هي أصل الداء ، وذلك في
واضحة النهار وأمام أعين الملأ. ثم يعود ليخفف الحمض ويعطي الحل السحري الكامن في
إجبارية استشارة النخب لحل المعضلات. في ختام هذه الفقرة فإن هذه النخب ستكون
جذرية في تعاملها مع الجمهور وموالية في تعاملها مع المخططات الرسمية.
كما سبق وأن
أشير، فإن هذه السياسة تزامنت واندلاع العنف في مجموعة من الأقطار ، هذا العنف،
الذي لبس أخيرا لباس الكونية اتضح جليا في الحالة السورية والبحرينية، بث حياة في
أرقام سياسية كانت في مرحلة كمون كما انبثقث منه أرقاما أخرى كانت مغيبة بفعل
شمولية الأنظمة التعريبية كحالة تونس وليبيا، فكانت النتيجة تقوية الوهابية وفك
الحصار عليها وتمتيعها بحق الوجود، في مقابل ظهور الوعي السياسي لإيمازيغن في
ضرورة دخول المعترك السياسي الكوني في ظل مشاريع دول أمازيغية أو على الأقل التفكير
جديا وعمليا في حسم السلطة السياسية .
أمام هذا المشهد السياسي العابر للدولة القطرية،
كان لزاما على الدولة المخزنية إيجاد وترويض نخب تمتلك بالإضافة -هي الأخرى-
لعلاقات عابرة للدولة القطرية. وبالتالي ستكون المحصلة إنتاج تصور منسجم بين ماهو
وطني وما هو استراتيجي.
في خضم هذه النزهة يتحتم
إنصافا القول بأن التوافق المذكور لن يستطيع الإمضاء على وثيقة الثقة بل سيكون
مقدرا له أن يعيش قلقا دائما بتحفير من وعي الجماهير الغاضبة ومن نخب القصر
الممتلكة لزمام المبادرة .
فلنعد إلى باب المنزل لنعرف السؤال الذي سنطرح قبل أن نعرف الجواب. فهذا وحده كفيل بإعطائنا
خريطة تدلنا لنزهة ربيعية وكم من الزاد نحتاج .

تعليقات