القائمة الرئيسية

الصفحات

الحياة الاجتماعية عند الطوارق

الحياة الاجتماعية عند الطوارق

بقلم: مـــاسـيــن تـمـــازغــا

إنه من الواضح الجلي أن الحياة الاجتماعية لكل أنة متعددة الجوانب ومعقدة التركيب بحكم تداخل جوانبها في بعض الجزئيات وترابط أنماطها وأشكالها في كثير من النواحي مما يجعل تصنيفها تحت نقاط محدودة ومعدودة أمراً عسيراً صعب المنال، وعليه فالحديث عن الحياة الاجتماعية عند الطوارق أو غيرهم لا يعني استعراض جميع الجزئيات، ولا حصر كل الجوانب، ولا استيعاب كل التفاصيل، والأمر لا يعدو تقديم نماذج من الحياة عن طريق أمثلة بسيطة تتناول بعض الجوانب الاجتماعية.

* الزواج/ عند الحديث عن الزواج لــدى الطوارق لا بد من تقسيم عملية الزواج إلى ثلاث مراحل:-
1- الخطبة: تختلف أساليب الخطبة عند الطوارق تبعاً للاختلاف البسيط بين التقاليد من قبيلة إلى أخرى، ومن حــــي إلى آخر، ومن بلد إلى بلد، وهذا الاختلاف يشمل المحورين التاليين (العقد – العرس).

فطريقة الخطبة عند بعضهم أن يرسل الرجل أخته إلى المرأة التي يرغب في زواجها، وتقدم لها هــدية رمزية كالخاتم مثلاً، ويعبر أخذ الهدية عن الرضا والقبول، ويعبر ردها عــن الرفض.

والطريقة عند البعض أن يبدي الرجل للمرأة رغبته في الزواج بها بشكل مباشر ، وبعد موافقتها على ذلك، تبدأ مراسم الخطبة حيث تنطلق جماعة من الأدباء وكبار السن والنبلاء من حــي الرجل إلى حـــي المرأة، أو بيت أبيها إن كان في نفس الحــــي، فتجلس الجماعة في وقار وهيئة جميلة مغمورة بحياء ورزانة، يتبادل أثناءها أذكياء الفريقين كلمات فكاهية رائعة تتخللها بسمات وبشاشة، وبعد انتهاء هــذه المجاملات يعلن كبير أو قائد الجماعة الزائرة أنهم قــد أتــــوا إلــــى هنا لغرض أن يخطبوا لصاحبهم فـلان بن فلان، بنت المزورين فــلانة بنت فــلان، والكلام موجه إلى أبي المرأة مثلاً، وقــد يحيلهم ذلك الأب إلى أخيه الكبير أو إلى عمه إن كان موجوداً، وقــد يقبل منهم ويعلن مباشرة أنه موافق.

2- العقدة (العقد)، كثير من الطوارق من يجمع بين الخطبة والعقدة في مجلس واحد، ومنهم من يؤخر العقدة إلى وقت آخر للاستعداد علماً بأن المهر عند غالبيتهم غال جداً، ولا فرق بين الغني والفقر ، "فالطارقية كما يقال لا تتزوج إلاّ بمثل صداق أمها أو أكثر منه أمّا أقل منه فــلا" وبعد إعداد المهر المناسب والمتفق عليه يتم العقد في مجلس جماعي يترأسه الشيخ الذي يتولى العقد بوكالة من الخاطب والمخطوبة أو ولييها.

ومن التقاليد والطقوس السائدة عندهم أن يقف رجل جهوري الصوت بعد العقد مباشرة فينادي بأعلى صوته معلناً زواج فلان بن فلان بفلانة بنت فلان، وبعد هذا النداء يتفرق الجمع، ويتجمع الجمهور النسائي إلى أسرة الرجل للحصول على هدية تقليدية للنساء على الزوج، وتتفاوت تلك الهدية بتفاوت القدرة واختلاف العادات، فأحياناً غالية جداً وتارة غير غالية، ولا يشترط لتلك الهدية أن تجتمع النساء عند العاقد، فإذا أهداها إليهنّ قبل الوصول إليه توقفن عنه.
3- الزفاف: كان الحديث عن الزفاف عند الطوارق من الجوانب التي يتعذر التعبير عنها بشكل يتسم بالشمولية والاستيعاب، لاختلاف طرقه عندهم وتباين وتفاوت الوسائل والأساليب بين القرويين والرحل، وبين الأغنياء والفقراء؛ ولكن لا بد من تناول هذه الفقرة.

الزفاف عند الطوارق يحتاج إلى استعداد كغيرهم من المجتمعات، ولكنهم قد تكون لهم سمة خاصة هـــــي أن الكثير منهم يستمر في الاستضافة والاستهلاك لمدة أسبوع، مما يكلفه الاستعداد لأقصــى حد ممكن.

وبعد الاستعداد يأمر جماعة من نساء حيه إذا كانت الزوجة في حــــي مجاور، أو رجالاً إذا كانت بعيدة، فيتم إحضار العروس بعد إعداد أسرتها ما تحتاج إليه من الزينة، وأثاث البيت، علماً بأن كثيراً منهم يرسل مع النسوة اللواتي بعثهنّ صندوقاً أو عدة صناديق مملوءة بملابس ومجوهرات وأحذية حسب القدرة والبيئة، وتأخذ الزوجة قليلاً من ذلك ويوزع الباقي بين جاراتها.

وتعتبر الليلة الأولى للعروس موسماً تقليدياً للفرح فيتوافد الرجال من الجهات القريبة بمسيرة يوم شباباً وكهولاً، إضافة إلى بعض نساء الحي، فتجلس النساء عند العروس في بيت مجاور لبيت الزوجية أحياناً أو في بيت الزوجية نفسه، يصفقن ويغنين، ويبقى الرجال في بيت منفصل وتستمر أعمال الفرح إلى نصف الليل، فيتفرق الضيوف ويأوي كل واحد إلى فراشه على أن يغدو مع الفجر مباشرة ليستمر اللعب والفرح والضيافة طول النهار، وبحلول العصر تنتهي مراسم هذا العرس ويتفرق الجميع، وفي بعض منهم تستمر الضيافة للرجال فقط إلى سبعة أيام.
* الــــــزى/ تتعدد عادات وتقاليد المجتمعات بتعدد أجناسها وظروف بيئتها وأنماط حياتها، ومن الظروف البيئية من حرارة وبرودة، وتنوع العادات من حفاظ ووقار وحياء، يُستوحــى كثير من التقاليد كالأزياء، وحينما نتكلم عن زى الطوارق لا نُعنى إلاّ بالطارقي التقليدي الصحراوي الذي يتمسك بالتقاليد والأعراف، وهو الذي يرفل في قميص فضفاض كثيراً ما يكون أبيض أو أزرق اللون، وأحياناً يكون سرواله أسود، وتارة يأخذ لون القميص، ويلبس عمامة سوداء برّاقة اللون جميلة، وربّا يضع عليها أخرى بيضاء ليينة، ويتلثم حتى لا يظهر من وجهه إلاّ عينيه.

ويتقلد الطارقي سيفاً طويلاً مغمّداً في جراب جلدي مزيّن مزركش ومطّرز بألوان زاهية جزء منها من النحاس الأصفر والأحمر، وبعض من القماش الأحمر والآخر من جلد رقيق ذي صبغة خضراء (اللامي، أمانشرنض) يستورد من بلاد الهوسا. أمّا نعاله، فمن جلد البقر والجمال مزينة ومطرزة أيضاً بجلد ذي الصفة الخضراء (أمانشرنض، اللامي)، وتصنع الومضة الأحسن منها في مدينة أغديز.

أمّا المرأة الطارقية، فلها شكلان من اللباس: الأول، يتكون من درع واسع وطويل تحته إزار، وفوقه خمار يغطي جسدها من الرأس إلى الركبتين، والثاني، يتكون من ملحفة تحتها إزار، ولهذه الملاحف نوعان: النوع الأول نفس النوع الموريتاني والسوداني، والنوع الثاني خاص بالطوارق يؤخذ من قماش أسود يسمى عندهم ( بُوكَارْ ) هذه هــــــي لبسة نساء الطوارق، لبسة إسلامية تتسم بالجمال في الوقت الذي تساعد على الستر والحشمة، وإذا كانت نماذج منهنّ قليلة تخرج سافرة فـــــلا يعني ذلك أن نساء الطوارق سافرات كما يشوّه به بعض الكتاب سمعتهنّ عن عمد أو عن غير قصد، حيث إنّ هذه النماذج توجد عند أي مجتمع آخر.

هذا، جانب من الحياة الاجتماعية عند الطوارق بكل ما يحتوي عليه من التراثية والأصالة والأناقة والجمال، إلاّ أننا ندرك تلاشي بعض التقاليد عند الطوارق الذين اندمجوا في مجتمعات أخرى وتأثروا بعادات وتقاليد تلك المجتمعات، إضافة إلى تطور كثير منهم من حيث العادات والتقاليد بسبب التمدن والاستقرار في المدن الذي فرض عليهم ألواناً وطرقاً جديدة من الحياة، وعلى هذا فإليهم مني السلام والتحية.


تعليقات

التنقل السريع