القائمة الرئيسية

الصفحات

صفقوا لحكومة الزعيم

عثمان الزياني
إن كل من كان ينظر لنظرية الاستثناء المغربي عن الربيع الديمقراطي ويدافع عنها باستماتة ،صادق في توقيعه على هذا الاجتهاد المثمر والمبصر، لأن مغرب اليوم بالفعل يعيش على إيقاعات الاستثناء في كل شيء ،وقد تأكد بالفعل أن المغرب بلد التناقضات والمفارقات العجيبة والغريبة،فبعدما عشنا فصولا من المسلسل الحكومي برداءته منذ حلقاته الأولى ،وما جاد به من سوء في التدبير وقرارات غير مسؤولة ولا شعبية ،وما تلاها من حلقات انسحاب حزب الاستقلال وما تبعه من مخاضات عسيرة لولادة النسخة الثانية ،وبعد حيص وبيص وكثرة القيل والقال وطول انتظار تطل علينا الحكومة بطلعتها البهية لتزيد من منسوب الإحباط المزمن وحالات التذمر.
إن التصفيق لحكومة الزعيم السيد بنكيران واجب شرعي بالنظر إلى الاعتبارات التالية:
أولا:حكومة الكثرة أو عقدة الزيادة
لم نكن ندرك أن الفطنة والحكمة والخيلاء السياسي يمكن أن يصل إلى حد هذا المنتوج الحكومي الذي غلب فيه منطق الكثرة والعدد على حساب النوع،في تغييب تام لمنطق العقلانية والترشيد،وكأن عقدة الزيادة أضحت تتحكم في كل روافد التدبير وهذا ينذر بان الحكومة بالفعل مصابة بعدوى الزيادة وما علينا إلا أن نطلب الألطاف الإلهية، وكأن المعادلة تقول انه من الطبيعي أن تواكب الزيادة في الأسعار الزيادة في عدد المناصب الوزارية، فهل التقشف محكوم به على المواطن البسيط والوزراء غير معنيين ؟،وهل المواطن هو المعني بدفع فاتورة الإصلاح المزعوم وإصلاح صندوق المقاصة ودعم نظام المقايسة ؟،فهذه التشكيلة تبين أن عسر مخاض الولادة الثانية لحكومة بنكيران وبعد طول الانتظار لم يكن نتيجة خلافات أو اختلافات حول البرنامج الحكومي الذي يمكن أن يشكل أرضية توافقية للتحالف وإنما كان الخلاف حول المناصب الوزارية والتعامل بمنطق الغنيمة ،وبالتالي ترضية النفوس والأعيان والعائلات ،وهي فرصة حتى بالنسبة لحزب مزوار للانقضاض على اكبر قدر ممكن من الوزارات وهذا ما تاتى له حتى وان كان الضريبة هي هدر المال العام من خلال الزيادة في عدد الوزارات.
ثانيا:خلطة حكومية هجينة وعجيبة:في تشتيت المشتت وتفكيك المفكك.
تشتيت المشتت وتفكيك المفكك هو عنوان هذه الحكومة الموقرة ،وهي مسالة ملحقة بإرادة الرهان على كم من الوزارات بهدف الترضية السياسية وليس بهدف انبعاث حكومة جديدة قادرة بالفعل على رفع مختلف الرهانات المجتمعية ،ومن ينظر إلى الهندسة الحكومية الجديدة يجدها حاملة للكثير من المتغيرات والتناقضات من الصعب جدا التحكم فيها أو تدبيرها فهي ستشكل عبء إضافي إلى باقي أعباء وزلات حكومة الزعيم بنكيران ،فكثرة التفريعات والوزارات المنتدبة ،وصعوبة التئام العديد من الوزرات فيما بينها مع ما يطرح ذلك من صعوبات عملية على المستوى البنيوي والوظيفي يجعل هده الحكومة فاقدة للروح والكينونة وستزيد في تخبطها وعتهها مادامت الأمور تأخذ على تحصيل وتحصين المصالح الحزبية بعبدا عن هم المصلحة العامة .
ثالثا:بصمة القصر
تطالعنا بعض الكتابات سامح الله على فعلتها بأن تشكيل الحكومة الثانية ينسجم إلى حد كبير مع مقتضيات الدستور ،في تغيبب قسري للتحليل الموضوعي دون إدراك اعتمالات الحقل السياسي المغربي ومنطق اشتغاله ،وما يدور في رحى الكواليس ،فمن خلال مختلف الترميمات التي عرفتها الحكومة تتبين بصمة القصر إلى حد كبير من خلال التركيز على الوزارات السيادية والإستراتيجية والتضحية ببعض الوزراء الذين كانوا يشتغلون في صمت والذين كان لهم بعض الاختلافات مع محيط القصر كما هو الشأن مع وزير الخارجية السيد العثماني،فالقصر كان على اقتناع تام بان وزارة الخارجية يجب أن تظل تحت السيطرة والهيمنة وهذا الدور موكول إلى السيد مزوار للقيام به على أحسن وجه ،ومن الملاحظ أن جل الوزارات السيادية والإستراتيجية تم إسنادها إلى التقنوقراط وبزي حزبي مقنع،ففي المغرب لا تترك الأمور على عواهنها تسير بالمنطق الدستوري ،فالأمر يعود إلى حد كبير في تحكم القصر حتى في الخريطة الوزارية وضبطها بما يكفل تعزيز أدوات الضبط والتحكم في المجال السياسي عامة والقرارات السياسية بصفة خاصة.
رابعا:حكومة التقنوقراط
كثيرا ما ينحاز منطق التحليل في تقييم أداء التقنوقراط إلى ربطه بالكفاءة والقدرة على التدبير الجيد،فهل تشكل عودة التقنوقراط عبر منافذ حزبية انقلاب على السياسي الذي اثبت عجزه في معترك التدبير الحكومي وتقليم العديد من اختصاصات الوزارات،أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى مزيد من إذلال حكومة السيد بنكيران الذي أبان من خلال المفاوضات همه اكبر من أن تكون مصلحة الوطن،وإنما مصلحة الحزب وضمان الاستمرارية بدل الاعتراف بالهزيمة والرضوخ للتعليمات والأوامر ،خصوصا أن الحكومة بهذه التشكيلة عرجاء لا يمكن أن تحقق أي شيء وسيستمر الحال على ماهو عليه،فهذه التشكيلة الجديدة أثبتت أن مصباح السيد بنكيران لن ينير طريقه إلى الفلاح والنجاح ،وإنما هديه إلى المزيد من الانتكاسة والعجز والسقطات مادام أسس حكومته على تحالف معوج ،والتاريخ السياسي في المغرب يثبت انه لا صلاح في المغرب لا بالسياسي ولا بالتقنوقراطي ،فالكل في سلة واحدة مسير وليس مخير.
خامسا:الاحتفاء ببذلة يوم عيد الاستوزار
إنه شعور لا يقاوم وإحساس بالفرحة يغمر قلوب الوزراء القدامى والجدد، كالطفل الذي يحتفل ببذلة العيد ،ابتسامات النجاح والفلاح والتتويج لولوج عوالم السلطة وركوب منطق الضحك والكذب والنفاق على المواطن ،فالمرء يستحسن ويستمرئ ارتكاب الخطيئة والرذيلة مادام انه يشتغل خلف أبواب موصدة ينشغل فيها بتنمية ذاته ولا يعير أي اهتمام للكلام والقول مادام انه غارق في أنانيته ،هي ابتسامات عريضة ومصونة تستفز قلوب فقراء هذا الوطن المقهورين ،تخترق أجسادهم الضعيفة والسقيمة ،وكأني بها ضحكات الغدر ترتسم على أفواههم وتتوعد بالتنكيل والزج بنا في دهاليز الحرمان والحاجة ،إنها نفس الضحكات والابتسامات المألوفة والمعهودة الدالة على حالات الضياع ،ففي هذا الوطن كثيرا ما تنفرج على النخب وتضيق أكثر على المواطن الفقير ،فمزيدا من ابتسامات الغدر السادة الوزراء....نعم لقد جفت ضمائركم في زمن الاستثناء.
وبهذا تستمر انتكاسات حكومة السيد بنكيران دون كوابح أخلاقية وقانونية للردع وتضيع المسؤوليات وسط ركام من العبث الدائم الذي يحتاج بدوره إلى وزارة خاصة تعمل على تدبيره وفق أسس حكماتية.


تعليقات

التنقل السريع