أسس المرجعية عند الحركة الثقافية الأمازيغية، و أهم مميزات الخطاب الذي تتبناه
د.خالد المنصوري
إن الحديث
عن أسس المرجعية الفكرية عند الحركة الثقافية الأمازيغية، هو حديث عن خصوصية
الخطاب، ومدىتمايز خطابنا عن باقي الخطابات الرائجة في الساحة الجامعية، وهذه
الأسس هي التي تضمن انسجام الخطابوتماسكه، وتمنحه القوة والمناعة والفعالية، بمعنى
أن المرجعية هي إطار شامل لتحديد رؤيتنا للعالم بالمنظور أوبالمفهوم الذي حدده
" لوسيان غولدمان" لهذا المصطلح، ولهذا لابد من توضيح ما المقصود
بالمرجعية من وجهة نظرنا حتى لا ننساق مع بعض المفاهيم الجاهزة التي تعيق التواصل
الأمثل.إن بعض الخطابات المتناولة في الساحةالسياسية تربط المرجعية بأصنام مقدسة،
أو بنص محدد وتقدمه على أنه لا يقبل النقاش، وهذا من خصوصيات الفكرالإطلاقي الذي
يؤمن بمقولة: "أنا ومن بعدي الطوفان"؟ أو يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة،
والفهم الصحيح، وما عداهمجرد أساطير الأولين وهذيان المحمومين. ولهذا وجب الاحتياط
من السقوط في منطق القوالب الجاهزة والتوجهاتالاحتكارية لمفاهيم بشرية تخضع للتطور
والتغير باستمرار.
فالمرجعية لا تعني بتاتا نصا بعينه أو فكرة
مطلقة جاهزة،بقدرما تعني مجموعة من الأسس والمبادئ والتصورات والمفاهيم التي تحدد
الرؤية الاستراتيجية وسبل تجسيدهافي الواقع عبر سيرورة زمكانية متحركة ومتغيرة، أو
بعبارة أخرى هي اجتهاد بشري مفتوح يهدف إلى إسعادالمجتمع، وتطوير قدراته، وتنظيم
أموره، وتسهيل سبل التعايش؟ التواصل من أجل بناء صرح مجتمع متقدم، وحضارةمتميزة في
خدمة الإنسانية جمعاء، والمرجعية كذلك هي منبع متجدد لصياغة المواقف واتخاذ
القرارات وبلورة رؤيةشاملة للإشكالات والقضايا المطروحة على المجتمع، وعلى
المؤسسات التي تنظم شؤون المواطنين في شتىمجالات الحياة.وانطلاقا من هذا المفهوم،
فإن الحركة الثقافية الأمازيغية حددت مجموعة من العناصر والمبادئ التيتؤطر تصورها
للواقع ولمظاهر الحياة العامة. ولهذا، فإننا في الحركة الثقافية الأمازيغية نتبنى
مرجعية ديناميكية،وهي حصيلة نضال البشرية من أجل مجتمع أفضل، وهو ما نعبر عنه
بعصارة الفكر البشري المتنور، وهذا يعنيالاستفادة من هذه العصارة من الناحية
المفاهيمية والمنهجية والفكرية لاستيعاب آليات اشتغال المنظومات الفكريةالمختلفة،
وذلك لاستثمار هذا المخزون الإنساني من أجل صياغة تصور متميز، ينسجم مع تاريخنا
وواقعنا المغربيين.وبمعنى آخر، نتبنى القيم الإيجابية للحداثة والتي ساهمت في
الرقي بمجتمعنا البشري إلى ما هو أفضل، ونؤمنبالعقلانية، والعقل كآلية لفرز
التراكمات المختلفة، وتحليل الواقع ودراسته للوصول إلى اقتراح الحلول المناسبة
بعيداعن الإسقاطات المتسرعة لمنظومات فكرية جاهزة.
ولهذا نعتمد على آليات علمية
ومناهج فعالة لبلورة خطابمؤسس على معطيات علمية واضحة، وذلك لتأكيد الوقائع
والبرهنة على مدى صحتها أو خطئها. وهذا ما أتاح لنامجابهة ومقارعة الخطابات
الديماغوجية بكل سهولة، وكذا فضح الإيديولوجيات الشمولية التي تعتمد على
التضليلوالمراوغة وعلى تأجيج العواطف لاستمالة الجماهير.
ولصياغة مرجعيتنا المتميزة اعتمدنا على مختلف
العلومالإنسانية والاجتماعية والقانونية والسياسية وعلى شتى مجالات المعرفة (
الانتروبولوجيا، اللسانيات، القانون،التاريخ، المنطق، السوسيولوجيا، علم الحفريات،
الفكر الفلسفي...إلخ (.ومن هنا، فإن الحركة الثقافية الأمازيغية لاتؤمن بقدسية
الأفكار البشرية والمنظومات الفلسفية، وبالمقابل تؤمن بدينامية الفكر، وحركية
التاريخ، وتعدد أوجه الحقيقة، إذ ليس هناك حقيقة بشرية مطلقة أي إننا نتبنى
النسبية في التفكير، ونؤمن بتعدد الاجتهادات والتصوراتوالرؤى، ولذلك ندافع
باستمرار عن حق الاختلاف وعن التعدد الفكري واللغوي والثقافي والسياسي كمدخل
لإشاعة ثقافة حقوق الإنسان، وفتح أبواب الحوار أمام جميع مكونات المجتمع من أجل
تفاهم أفضل. كما نؤكد على أنالديمقراطية، كآلية وكقيم، ضرورية لإفراز مؤسسات
وهياكل ومنظمات مسؤولة أمام الجماهير والقواعد الشعبيةوتكون قابلة للمراقبة
والمتابعة والمحاسبة، وذلك من أجل دمقرطة المجتمع ودمقرطة السلطة السياسية
وكافةالتنظيمات والقوى الفاعلة في المجتمع.
وفي هذا الإطار، تناضل الحركة
الثقافية الأمازيغية من أجل أن تسودالديمقراطية قيما وممارسة داخل الحرم الجامعي
وخارجه، وتلح على ضرورة احترام إرادة الجماهير في صياغة القرارات وتنفيذها، وكذا
الالتزام باستقلالية منظمتنا النقابية "أوطم" عن الدولة وعن مختلف القوى
السياسية وذلكلتدبير شؤونها بشكل حر وديمقراطي، وبعيدا عن كل أشكال التبعية
والوصاية.وفي جانب آخر، أقرت الحركة مبدأالتضامن مع جميع الشعوب المضطهدة في
العالم، وذلك انطلاقا من كون هذه القضايا ذات طابع إنساني.
وفي هذاالسياق، ننتقد المكونات
الطلابية الأخرى التي تقدس قضايا الشرق الأوسط، وتغض الطرف عن قضايا شعوب
أخرىمضطهدة، وأقربها إلينا شعب الطوارق الأمازيغي الذي يناضل من أجل البقاء،
ويكافح ضد أنظمة عسكرية توتاليتاريةجنوب منطقة "تامزغا".
وهكذا، تجد بياناتنا المختلفة تسجل
تضامننا مع كل الشعوب التواقة إلى التحرر والانعتاقومنها (الطوارق، الأكراد،
فلسطين، الشيشان، أفغانستان... الخ ) وعلى صعيد آخر نعتبر الوعي بالذات هو
المدخللفهم مختلف الصراعات الحاصلة في المجتمع، والإنسان الذي يعيش استلابا فكريا
وحضاريا لا يمكن له أن يرى الأمورعلى حقيقتها، مادام عقله في الشرق الأوسط أو في
مكان آخر، بينما كيانه يتواجد بأرض المغرب.
ولهذا نرى أنالهوية الأمازيغية للشعب المغربي
يجب أن تتجسد في المجتمع وفي مختلف مؤسسات الدولة، وذلك عن طريقدسترة اللغة
الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، وإدخالها إلى كل الإدارات والمؤسسات ومجالات الحياة
العامة والخاصة..ويجب أن تحظى بتكافؤ الفرص أمام اللغة العربية، وكذا يجب إعادة
قراءة وكتابة التاريخ المغربي المؤدلج، وذلك انطلاقامن رؤية وطنية وبمناهج علمية،
واستثمار القيم الأمازيغية والتراث المغربي النير والمشرق، من أجل الرفع من
وتيرةالتطور والتنمية.إن هذه الإجراءات وغيرها سوف تحصن الذات المغربية ? تمنعها
من الانسياق وراء الوهم العروبي الذييحتقر هذه الذات، ويمجد كل ماهو آت من الشرق
الأوسط. بمعنى أن المواطن المغربي يجب أن يحس بوطنيتهويتمتع بمواطنته وحقوقه
المشروعة.
وهذا يتطلب بناء ثقافة وطنية جادة وملتزمة بقضايا الإنسان، وكذا يجب العملعلى
تشجيع ثقافة الحوار والتسامح والانفتاح، وبالمقابل مناهضة كل أشكال التطرف
والتزمت، ومظاهر العنف التيتنخر جسد المجتمع المغربي، وذلك لأننا نعتبر أن الخواء
الفكري والعقلية التكفيرية التي توظف الدين الإسلاميالحنيف من أجل تحقيق أغراض
ومصالح سياسية ضيقة، هذه المعطيات هي التي أنتجت وغذت التطرف الأعمىالذي أزهق
أرواح المغاربة والأجانب في الأحداث الإجرامية المؤلمة التي هزت مدينة
الدارالبيضاء يوم 16 ماي 2003؟ والتي استنكرناها كحركة ثقافية أمازيغية في البيان
الوطني الصادر عن التنسيقية الوطنية، ونددنا بهذا المسلك أوالفعل الشنيع الذي
رفضته مختلف القوى الحية للمجتمع المغربي.
لذا، فنحن في الحركة الثقافية
الأمازيغية نعتبرالدين الإسلامي؟ الذي هو دين الغالبية العظمى للشعب المغربي؟ دينا
يدعو إلى الحوار والتسامح وليس إلى القتل والتكفير، ونؤكد على وجوب احترام الشعور
الديني للمغاربة، ونؤمن بحرية المعتقد الديني، وبحق المغاربة الذين يدينون بديانات
سماوية أخرى، في ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية.
لذا، ليس من حق أي طرف فرض الوصاية
على الدين الإسلامي أو احتكاره، أو استغلاله لأغراض سياسية أو لمصالح
شخصية. فللحقل السياسي مجالهوشروطه وآلياته وقوانينه، والتي تخض لمعايير دنيوية
يتفق عليها أهل السياسة من أجل ضبط الممارسة وخدمة المجتمع والأفراد.
أما الدين فهو مجال مقدس لا يجب
تدنيسه بممارسات سياسوية تستعمل فيها كل الأسلحةالمشروعة منها وغير المشروعة من
أجل كسب الرهان وربح المعارك الانتخابية والفوز بالمناصب والمقاعد المريحة،وذلك
لأن الدين معطى مشترك بين المواطنين المغاربة بينما البرنامج السياسي يختلف من حزب
لآخر، وادعاءالمشروعية الإلهية لممارسة السلطة معناه إلغاء إرادة الشعب وضرب اختياراته
والتمهيد لتكريس سلطة استبداديةباسم الدين.
ولعل التجارب في هذا الميدان
أثبتت أن هذا التوجه التيوقراطي جر على المجتمعات البشرية ويلاتوكوارث ومعاناة
وقهر لا مثيل له في التاريخ، لذا يجب عدم السماح بتكرار التجارب الفاشلة، التي لن
نجني منها سوىالمزيد من التخلف والدمار الشامل لمختلف المكتسبات والإنجازات التي
حققتها البشرية بعد كفاح طويل ضد الاستبدادوالتسلط.وهكذا، فمرجعية الحركة الثقافية
الأمازيغية تتسم بالانفتاح والعقلانية والدينامية والتسامح والنسبيةوالديمقراطية،
وخطابنا خطاب علمي مؤسس على مجموعة من المعطيات والحقائق، وهذا كفيل بضمان انسجامه
وقوته وفعاليته.

تعليقات