القائمة الرئيسية

الصفحات

رأي: الكتابة على الأمازيغية والكتابة بالأمازيغية



  رأي: الكتابة على الأمازيغية والكتابة بالأمازيغية

   سبق أن طرح بعض الأصدقاء والصديقات هنا مشكل الكتابة الأمازيغية، إلى حد التبرّم من كثرة الحديث عن الأمازيغية دون المرور إلى ما هو أهم، وهو الكتابة بالأمازيغية.

    الإشكال هنا يتمثل في كيفية تجاوز مسألة الكتابة عن الأمازيغية (بلغات غير اللغة الأمازيغية) إلى الكتابة بالأمازيغية، فكراً وإبداعاً.  

       من دون الخوض في عمق الإشكال، إذ المجال لا يسمح هنا، يمكن أن ننطلق من المقدمات التالية:

    1. حتى الآن، أهم إنتاج حول الأمازيغية يهم اللسانيات بالدرجة الأولى، والدراسات الانتروبولوجية والتاريخية بدرجة ثانية. يتعلق الأمر هنا باتخاذ الأمازيغية، لغات وثقافات، كموضوع للكتابة العلمية. هذه الكتابة العلمية في مجملها معبر عنها بلغات أخرى (الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية، وأحياناً العربية). مرد ذلك، في نظري، هو المسار الأكاديمي للكاتب والباحث الأمازيغي، حيث، موضوعياً، أصبح يتقن اللغات غير الأمازيغية الأخرى التي تمكنه بسهولة بتطوير برنامجه البحثي، وعجزه (الذي هو عجز حضاري إلى حد الآن) عن الكتابة مباشرة بالأمازيغية.

    2. حتى في مجال الإبداع، نجد أهم الإنجازات الأدبية عند الأمازيغ، عدا الشعر، تمت بلغات غير اللغات الأمازيغية: إما بالفرنسية (محمد خير الدين، كاتب ياسين، مولود معمري)، أو بالإسبانية (محمد المرابط) أو بالكاطالانية (نجاة الهاشمي)... 

     3. عندما يتعلق الأمر بالإبداع دائماً، نجد أهم الانتاجات هي التي تساير الطابع الشفوي للغات الأمازيغية (شعر-غناء، مسرح، سينما)، وحتى عندما يحاول بعض المبدعين نشر إبداعاتهم كتابة، تطرح مسألة الحرف، إذ نجد استعمال ثلاثة أنظمة للحرف، حسب اختيارات كل كاتب (الحرف العربي، الحرف اللاتيني، حرف تيفيناغ). أضف إلى ذلك أن مجمل هذه الكتابات تقتنيها أقلية من "القراء" تعد بالعشرات فقط، وتقتنيها إما تعاطفاً فقط ولا تقرأ منها إلا العنوان، أو لغرض البحث العلمي (النقد الادبي بالخصوص، بحيث يمكن أن نقول بان هناك من النقاد أكثر من المبدعين). في ميدان الرواية، يعتبر محمد شاشا أهم من كتب بالأمازيغية في هذا الجنس الادبي من حيث الكم، ورغم ذلك لم يقرأ رواياته حتى أصدقاؤه المقربون.

     4. منذ مدة ظهرت عدة محاولات لخلق صحافة مكتوبة تتبنى الأمازيغية، غير أن هذه الصحافة هي ذاتها ليست صحافة أمازيغية بمعنى الكلمة، بل صحافة تتبنى الدفاع عن الأمازيغية مستعملة لغات أخرى (غالبا العربية والفرنسية في ذات الوقت). نحن لم نصل بعد إلى خلق صحافة أمازيغية ناطقة بالأمازيغية، كل ما لدينا هي "صحافة ساندويش"، صفحات عربية على اليمين، وصفحات فرنسية على اليسار، وصفحة أو صفحتين من الابداع في الوسط، مع استعمال نظم الأحرف المشار إليها.

      أستخلص من كل هذا أن طريق تطوير اللغات الأمازيغية من لغات شفوية إلى لغات مكتوبة ما يزال طويلاً، وأن المعوّقات، الذاتية والموضوعية ما تزال تجثم على اللغات والثقافات الأمازيغية، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن كثيراً من هذه المعوّقات قد يساهم فيها الأمازيغيون أنفسهم، عن قصد أو عن غير قصد.

     تلاحظون جيداً أنني أستعمل هنا اللغة العربية للتعبير عن هذا الإشكال لانها لغة تسعفني الآن، كما قد تسعفني الإسبانية أو الفرنسية، ومن يقول بإمكان غير ذلك، فليحاول ترجمة هذا النص إلى الأمازيغية.

    إن تجاوز إشكال تاريخي وحضاري جد معقد يحتاج إلى مجهود عام وجماعي، وإلى إعادة النظر في النظرة الضيقة لِ"أزول".

من الصفحة الشخصية على الفايسبوك للأستاذ قيس مرزوق الورياشي

تعليقات

التنقل السريع