القائمة الرئيسية

الصفحات

"على درب الممانعين" أو ذاكرة الريف السوداء. ..




"على درب الممانعين" أو ذاكرة الريف السوداء. ..

 بقلم الأستاذ الحسن أسويق

       أوصى الفيلسوف الدنماركي سورين كيركغارد، في مدخل كتابه "مفهوم القلق"، بأن يلتزم كل من أراد تأليف كتاب بشرطين أساسيين: أولهما أن يفكر جيدا، وكل ما أوتي من جهد فكري، في الموضوع الذي يريد معالجته، وثانيهما أن يكون مطلعا على ما كُتب حول ذلك الموضوع قبله.

      يبدو أن الدكتور امحمد لشقر قد عمل بهذه الوصية وهو يرسم معالم قلق تلك القبيلة المتمردة في رواته التي اختار لها عنوان: "على درب الممانعين"[1].

   على امتداد مائة وستون صفحة، وبأسلوب أدبي رفيع، استطاع المؤلف أن يصوغ في قالب روائي ـ سيرذاتي موضوعا فكر فيه جيدا، ومحيط بكل ما جرى فيه من كلام على أوجه وأنحاء ومناطق وجهات مختلفة.

العودة إلى الماضي:

موضوع الرواية التي نحن بصددها حدث تاريخي مضى عليه أكثر من نصف قرن؛ حدث مضى في التاريخ لكنه حاضر في الذاكرة و”عالق بالجسد” (ص 189). يتعلق الأمر بحدث مأساوي ما والت آثاره جارية ووقعه ممتد في الأذهان والأبدان لشعب تحدد مصيره وكيانه، بل ومزاجه، بما وقع بالضبط في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة (أواخر عام 1958 وأوائل عام 1959).

واجب الذاكرة:

    تحكي الرواية ـ الشهادة عما سماه المؤلف “الحرب الثانية على الريف” كما عايشها وهو طفل صغير، مزودا بما غرفه من قراءاته وكما اطلع على بعض تفاصيلها وحيثياتها من خلال مقابلات أجراها مع ضحايا هذه الحرب القذرة منهم من قضى ومنهم ما زال على قيد المعاناة من جراء تلك الذاكرة السوداء؛ تحكي عن جنود تفننوا في تعذيب الرجال والنساء والأطفال مدفوعين بروح عدائية وانتقامية ضد كل ما هو ريفي.

     وكما أفصح عن ذلك الكاتب، فإن واجب الذاكرة أملى عليه التذكير بتلك المظالم والجرائم في حق الريفيين؛ لكن أيضا، وبدافع الواجب الأخلاقي، التذكير ببطولاتهم  المجيدة، وحرصهم على صون كرامتهم وهويتهم.

قصة عائلة:

    إن رواية "على درب الممانعين" غوص في الزمن العسكري والسياسي للريف من خلال سرد تفاصيل عائلة لشقر ومعاناتها التي بدأت عند اعتقال جده "بوقار" وأبيه "مرابو"، اللذين ذاقا كل ألوان البطش والتنكيل بعد عملية القصف الجوي لقبائل الريف المنتفض بقيادة الزعيم سلام أمزيان الذي ذُكر في الرواية في مناسبتين فقط (ص 108 وص 138).

     “أن تحكي حكاية خاصة بعائلتك أو بقبيلتك ـ يقول الكاتب ـ قد يبدو أمرا من قبيل الأنانية؛ لكن الحقيقة هي أن الحديث والحكي عن الذات هو في نفس الوقت حديث وحكي واهتمام بالآخرين، بحكاياتهم ومعاناتهم”(ص 5).

أسباب الانتفاضة:

        انتفضت قبائل آيت ورياغل الريفية دفاعا عن الأرض والهوية (ص 78) وردا عن جبروت المخزن وقادة حزب الاستقلال آنذاك (ص 61). لقد ثار الريفيون للحفاظ على تقاليدهم وقيمهم التاريخية الأصيلة. لذك نجد الكاتب يقدم الريفي زمنذاك مشبعا بقيم الكرامة والشرف والممانعة والحرية؛ ومستعد للتضحية من أجلها مهما كلفه ذلك من ثمن.

فائدة:

      إن القارئ للرواية ـ الشهادة "على درب الممانعين"  سيعجب بقدرة الكاتب على تكثيف مواضيع الشر والخير، والبطولة والجبن، والحب والكراهية، والممانعة والانبطاح، والخوف والشجاعة.. من خلال وصف شخصياته في صفوف المدنيين أو العسكريين. كما سيدرك هول الحدث وعمق معاناة شعب تعرض لما يشبه حرب إبادة.

وكأن امحمد لشقر يرى فيما وقع محاولة من طرف المخزن ومن والاه من السياسيين الحاليين لتفتيت المنظومة الأخلاقية الريفية لتسييد قيم الانتهازية والذل والخنوع بدعوى الإنصاف والمصالحة.

    إنها إذن تكريم لرجال شجعان تحلوا بالبطولة ونهضوا للدفاع عن شرف القبيلة كما أنها إذكاء للروح الريفية، وتمجيد لقيم البطولة وعزة النفس والذود عن الكرامة مهما كلف من ثمن، وتنديد بكل قيم الانتهازية والخنوع والمهانة التي أصبحب تجد لها موطأ قدم بالريف.

————

[1] Dr.Lachkar Mhamed, Sur la voie des insoumis,JL Editions,2015.

تعليقات

التنقل السريع