قبيلة إبقوين الصنهاجية: التسمية ومدلولها
بقلم الأستاذ محمد أونيا
تعد تسمية بقوية كما هو شائع، من أقدم التسميات القبلية في المغرب، وهي ترجمة عربية للاسم الأمازيغي "إبقوين" الذي يطلق محليا، على القبيلة التي يغطي معظم مجالها المنتزه الوطني للحسيمة.
ليس هناك تفسير مقنع لكلمة بقيوة، فبينما ذهب الكاتب الفرنسي "مولييراس" إلى شرحها بمعنى الإقدام والعناد دون أن يشير إلى مصدر ذلك، يستبعد الباحث الأمريكي " دافيد هارت" الدلالة التي توصل إليها عن طريق الرواية الشفوية التي تقول أن هذه المفردة مركبة من اللفظين العربيين " باقي" و " واحد" ، كما يمكن الرفض بكل سهولة التأويل الذي يحاول البعض أن يلتمس من خلاله تفسيرا لأصل بقيوة وبعض فرقها، فيقال مثلا، أن عملية ذبح الحجل (ثاسوكورث) لتحضير المرق وصبه في قصعة (ثاحبيث) أو (ثابقشث) انتهى حسب رواية أو أسطورة مجهولة بنزاع أو سوء تفاهم مما فرض تقسيم هذا الطبق بين ثلاثة أطراف سمي كل طرف باسم الحصة التي كانت من نصيبه أي، الذي فاز بلحم ثاسوكاث سمي (بوسكور) والذي حصل على المرق اشتهر بـ "امريقة'' وأخيرا نعت صاحب ثابقشث بـ ''بقيوة''.
وفي اعتقادنا أن لفظة بقيوة هي كلمة أمازيغية لا تنطوي على دلالة جينالوجيا تحيل على جد مشترك. وإنما هي تسمى طوبونيمية ذات مدلول جغرافي وهذا لا ينطبق فقط على اسم القبيلة. وإنما على أسماء قسماتها الرئيسية مثل إزمورن وأزغار وثاكيديت. ونرجع أن يكون الأصل كلمة بقيوة التي تعني بالريفية قمة الجبل. فهناك. على سبيل المثال في قرية تموجوت مرتفع يطلق عليه قويو، كما توجد التخوم المحادية لأجدير ايث ورياغل على قمة تطل على واد إسلي معروفة بـ "اثقيوت أوشباب". أما ساكن هذه القمم فيعرف بـ "بوقويو" ابقوين في صيغة الجمع ولا غرور فقد عرفت كتلة بقيوة في المصادر العربية القديمة بجبل بقوية.
مهما يكن الأمر، فإن مصطلح ابقوين لا يمكن إلا أن يكون مشتقا بمرجعية أمازيغية سابقة عن أي لغة وافدة. فبعض المواقع الساحلية المذكورة في بعض الكتابات الرومانية كمؤلف بطلموس ومسالك من قبيل bozacour وboccana على الأرجح ترجمة رومانية لأسماء مواقع محلية لازالت مستعملة إلى اليوم، ويتعلق الأمر بمرسى بوسكور وقبيلة بقيوة. ونستشف من هذه المعالم الأولية أن بقيوة هي من أقدم التجمعات البشرية الأمازيغية التي سيتواتر ذكرها في المصادر العربية الأولى لما بعد دخول الإسلام إلى هذه المنطقة.
أما بالنسبة لمجال "ابقوين" فنرجح أنه كان أوسع بكثير مما هو عليه في الوقت الحالي، وقد لا نبالغ إذا قلنا أن هذه القبيلة كانت قوة محلية ممتدة من ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى جبال الأطلس المتوسط جنوبا، حيث وجود بقايا مجموعة أمازيغية تنتمي إلى قبائل زيان الصنهاجية يطلق عليها "آيث بوقيو" ينهض دليلا على هذا الامتداد الذي عرفته بقوية في الماضي.
امتداد طولي قد يفسر بوجود محور تجاري يخترق مجال نفس الحلف الاثني الذي كان يتولى حماية القوافل التجارية التي تعبره ما بين صنهاجة الأطلس المتوسط وصنهاجة الريف في اتجاه مرسى بادس ببلاد بقوية.
ولعل بعض الوحدات الصنهاجية الباقية إلى يومنا هذا، كصنهاجة السراير وصنهاجة مفتاح وصنهاجة غدو، ما يدل على الحلف الصنهاجي أو بالأحرى الصنهاجي الكبير.
لا يدعي أهل بقيوة الانتساب إلى جد مشترك حتى لو كان مفترضا وهذا يعني عدم خضوع هذه المنطقة لاستقرار بشري دائم وخاصة في أواخر العصر الوسيط ومطلع العصر الحديث فالرواية المحلية تتحدث عن نزوح جماعي ترتب عنه إخلاء سكاني قيل بسبب كوارث طبيعية مناخية وفي نظرنا يمكن إرجاع أحد عوامل هذا الإخلاء السكاني إلى الانقلاب السياسي الناتج عن أفول المصامدة الموحدين وبروز دولة بني مرين الزناتيين، وهذا ما عجل برحيل التجار السوسيين الذين شكلوا العصبية المصمودية في الريف كالسملاليين والهنتاتيين الذين كانوا متمركزين بأحواز بادس الميناء التجاري الأكثر رواجا آنذاك، وعلى طول المحور التجاري الرابط بين فاس وبادس في هذا السياق كذلك يمكن أن نقدم قراءة تاريخية لأسطورة الكنوز المدفونة التي مازالت شائعة في الأوساط الشعبية بشمال المغرب، إذ كثيرا ما نسمع أن فقيها ما وفد من سوس وتمكن من انتشال الكنز المدفون من مكان معلوم في جوف الليل وفي غفلة الناس، وقد دلته إلى ذلك الموضع الذي غالبا ما يكون مقدسا "تقييدة'' قديمة مورثة عن الأجداد الذين نزحوا من الريف بشكل فجائي لم يسمح لهم بنقل كنوزهم التي راكموها بفضل التجارة الخارجية مع الدول الأروبية وخصوصا مع تجار مدن الدول الإيطالية كجنوة والبندقية الذين كانت سفنهم تتردد على مرسى بادس. وقد كان لخصوصية الموقع الجغرافي لقبيلة بقوية الساحلي الذي يمتد بين حاضرة بادس والنكور ثم المزمة شرقا في المرحلة الوسيطةـ وحجرتي بادس والنكور في الفترة الحديثة والمعاصرة، آثره على العالم المتوسطي بقدر ما كان نعمة كان أيضا نقمة جرت على الساكنة الساحلية ويلات الغارات القرصانية النصرانية والأطماع الرأسمالية الأروربية من جهة والحركات المخزنية من جهة ثانية.
خلاصة القول، أن قبيلة بقوية قد خضعت، كسائر القبائل المغربية، لميتي التمدد والانكماش عبر التاريخ تحت وطأة الحروب الداخلية والخارجية وكذا الكوارث الطبيعية من زلال وجفاف وأوبئة ومجاعات، لتستقر خريطتها عند الحدود التالية: البحر المتوسط من الشمال وقبيلة آيث يطفث غربا، آيث ورياغر جنوبا وشرقا، حيث تكاد الأودية ترسم حدودها الطبيعية من هذه الجهات، وهي على التوالي: واد بوهم ثم واد إسلي.
تنويه: هذا المقتطف ورد في دراسة للأستاذ محمد أونيا تحت عنوان"المنتزه الوطني للحسيمة (ابقوين)" مجلة الحسيمة، عدد مزدوج11-10، 2017منشورات بلدية الحسيمة، ص ص 12-13.

تعليقات