قراءة في رواية "الحب و الهوية" للكاتب عبد الله المنشوري
بقلم عبد الرحيم دادي التسولي
عبد الله المنشوري شاعر و روائي ابن الريف، يستقر بمدينة طنجة، ولد سنة 1963، كاتب عصامي، دخل عالم الكتابة إثر إصداره أول ديوان شعري بالأمازيغية" إمتاون ن تامجا" سنة 2006 و بعدها "هكذا حلمت شكري" سنة 2008 و ديوان شعري سنة 2009 "جكيكر أ روجنا" و رواية أخرى سنة 2011 "سمر على ضوء القمر"، و آخر عمل روائي هو الذي بين أيدينا الآن و الذي سنغوص في طياته، رواية "الحب و الهوية"و لا بأس أن نذكر بعض الروايات التي تطرقت إلى الهوية من بينها "الموريسكي" لحسن أوريد، "سمرقند" لأمين معلوف، "عزرائيل" ليوسف زيدان، "رغوة سوداء" لحجي حابر، و "نوميديا" لطارق بكاري.
أولا قبل الغوص في طيات العمل لابد أن نضع قراءة خارجية للرواية، و التي ستعطينا صورة عن المؤلف، فمن المعروف أن أي كتاب يتوفر على وجهية و خلفية، غير أن هذا العمل له وجهين واحد بالأمازيغية و الآخر بالعربية، و هذا ما يحيلنا إلى أنه عمل كتب بلغتين، و من خلال تصفح اللغتين، نجد أنه مكتوب بالأمازيغية و العربية، مما يتيح للقارئ أن يختار اللغة التي يريد أن يقرأ بها، و القارئ إذا كان ذكيا فإنه سيقرأ بكلتا اللغتين. الكتاب يغمره اللون الأصفر و بعض السحب الخافتة، و من تحته صومعات بلون أسود تعبر عن ثلاث دايانات "المسيحية ، اليهودية، الإسلام"، في الأعلى اسم الكاتب "عبد الله المنشوري" و في وسط وجه الكتاب اسم الروية" الحب و الهوية" بعدها يليها صنف العمل "رواية".
انطلاقا من العنوان نجد أننا أمام كلمتين (الحب + الهوية)، فحين نسمع كلمة حب فإن تفكيرنا يذهب بنا إلى كل الأعمال الروائية و الأساطير و قصص الحب التي تراودنا من حين لآخر، فتميل كذلك الروح إلى تذكر الخيبات و الانكسار و الانتصار كذلك. في حين أن الهوية دئما ما تحيلنا إلى ذاك الصراع الأبدي بين الحضارات و الثقافات و كذلك حتى اللغات، و هذا من سيضعنا أمام فرضيات و تساؤلات، هل للحب هوية؟ و هل يمكن أن نناضل من أجل الحب لنكسر حاجز الهوية؟
طبع هذا المؤلف ضمن منشورات سليكي أخوين- طنجة، الطبعة الأولى سنة غشت 2014، يفتتح الكاتب مؤلفه بمقولة لابن حزم الأندلسي – طوق الحمام:" لو أن الدنيا ممر و محنة و كدر، و الجنة دار جزاء و أمان من المكاره، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه" ثم يليها في الصفحة الموالية بمقطع من رواية الشاعر و الروائي عمر المدام "الصيف" التي كتبت بالأمازيغية: "في ليلة من ليالي الصيف....." إلى آخر مقطع ".... انصحيني أيتها النجوم، انصحيني".
يفتتح الكاتب روايته بعبارة فيها شيء من اليأس و الحزن (اليوم يوم عيد، المدينة أصبحت كأنها خالية من معظم سكانها بهذه المناسبة"، و يكمل الفقرة الأولى بتنهيدة فيها شيء من الحسرة، "هكذا كانت لما كنا نقول: "الله إعمرك يا طنجة". أما الآن، فما علينا إلا أن نقول نقول: "الله إخويك يا طنجة").
يبدأ الكاتب في سرد الأحداث بعد ذلك "انتفض (إذير) من نومه و مما كان يحلم..." و لعل أول شخصية تظهر في متناول القراءة تنتفض ليس من أجل شيء أسمى بل من حلم كان يضايقه و قرر أن يتخلص منه بانتفاضته هذه، و سوف ينتفض مع كل مقطع من أسطر هذه الحكاية. و بعدها في الصفحة الموالية ص:8 يقول الكاتب "فحينما كان إذير يجتمع بأصدقائه، منهم عباس يعقوب و خوان، كانت حوارتهم تتخللها الحديث عن هوياتهم و منبعهم الأصلي" و هنا يظهر لنا أول كلمة من عنوان الرواية و هي "الهوية".
تجري الأحداث إلى أن نقف عند موقف لشاب شجاع أراد أن يبني حياته بطريقة أخرى، أن يفتح مكتبة و ينغمس في بحر الكتاب و القراءة، و لعل هذه الإشارة التي يمررها لنا الكاتب هي بصيص أمل من الوعي الذي يجسده في شخصية "أيور" ص: 29 "كان أيو قد اقترح على أبيه أنه سيتوقف عن الدراسة، و يفتح مكتبة، ليتفرغ فيها للقراءة و الكتابة. أما الوظيفة، و خاصة في هذا الوضع الذي يعيش فيه الموظف، فلم ترقه في شيء"
غير أن أباه "إذير" ينتفض للمرة الثانية، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة "لكن إذير رفض رفضا قاطعا ما اقترحه ابنه أيور"، إن شخصية إذير لا تبعث على أنه إنسان مثقف بل يجري وراء ما هو مادي، و يرى أن كل شيء لا يجلب له دخلا وافرا سيعترض عليه، و قد اعترض على أن يحقق حلم ابنه، إنه التسلط التقليدي، ينخر أحلام الأبناء و الشباب، فيصير الشاب لا حلم له، بل يصير مقيدا بما سيقوله من هو أكبر منه، فيبقى الانسان حبيس حلم لشخص آخر، لحلم لم يتحقق من قبل، و يوكلونه لمن سيأتي من بعدهم.
إن الكاتب ما يقف حتى يثير أمرا داخل هذه الأحداث الشائكة المتداخلة، و ينتقل بنا من شخصية لأخرى، يقول في ص: 37 "كان فيرناندو ينتظر يائيل في مقهى الحافة" و يضيف في تعقيب " لم يعد كما كان يمتلأ على آخره بالمثقفين... لم يعد يمتلأ إلا بمجموعات من الشباب المقلدين لـ : "الراب" و "الهيب هوب..." و يكمل فقرته "باي باي حافات فلقد تغيرت ملامحك"
و في السطر الثاني من الصفحة يقول الكاتب "انتظر فيرناندو كثيرا في المقهى، لكن يائيل لم تأت بعد" و بعد مضي وقت من الانتظار قرر أن يرحل و أنه لن تأتي ص:38 "و في اللحظة التي وقف فيها لينسحب من المكان، تراءت له يائيل و هي تخطو بغنج فوق تلك الدراجة الصغيرة..." لم يكن للانتظار معنى لو لم تجئ، لابد أنها تحبه كثيرا كي لا تجعله يخيب ظنه "و بعدما رسما قبلة على شفاه بعضهما، بدآ يفسران هذا التأخير" لم يعد هنا شيء يقال بعد أن تلاقت شفاههما، لا أظن بأن هناك تفسيرا أكثر من هذا.
"لما وصلت يائيل إلى المنزل، لم تكن أمها قد عادت بعد" ص:41 لقد تحدت أمها و تحدت نفسها من أجل حبيبها، إنهما يحبان بعضهما، فلماذا هذا التستر؟ و يقول الكاتب مجيبا على سؤالي بفقرات بعدها: "فلقد حدث ما فعلت يائيل مرات عديدة، و ما زال يحدث، و سيظل يحدث إلى أبد الآبدين... فكما يحكى أن غراما كان قد ربط بين فتى و فتاة، فهاجر أبوها مسكنه و انتقل بأبنائه إلى مكان آخر"، و هنا نتساءل هل تخوفنا و فزعنا من الحب جعلنا نستسلم للحياة كيفما كانت أمامنا، ألا يحق لنا أن نغير واقعنا، ألا يحق لنا أن نحب؟ ألا يحق لنا أن نسعد و نعيش كما يحلو لنا؟
إن التقاليد التي تحكم في مستقبلنا و حياتنا يجب أن نثور عليها، غير أننا نجد أن الأقرب إلينا هو الذي يحاول أن يمنعنا من حريتنا " بدت الأم و كأنها على وشك أن تثق بابنتها، فبدأت تشير بشكل ضمني إلى ذلك الخطيب الذي اختارته له، كما بدأت تشير إلى عائلته و ممتلكتها..."ص :42. إن الرواية تضع الأصبع على ما يثيره فئة من المجتمع التي تنظر إلى الحياة بشكل مادي، و هذا ما جعل المجتمعات المتخلفة دائما في الوراء، و نظرتها للحياة شبه قزمية، و هذا أيضا ما جعلنا نقف في وسط الطريق و كما يسميها أحد الباحثين بالدول العالقة، أي أنها لا تتقدم اجتماعيا و لا ثقافيا.
غير أن ثقة كل من "يائيل و فيرناندو" كانت أكبر و حيلولتهما التي نصبها لوالديهم و هي متابعة الدراسة كي لا يفرقوهم و يكتبوا لهم مصيرهم دون الأخذ برأيهم "لكن من بين الشروط التي اقترحتها يائيل، و هي أن تستكمل دراستها" ص: 42، "فيرناندو. كان هذا الأخير قد تظاهر أيضا أنه راض على ما اختارته له أمه...، لكنه قرر بدوره أن يستكمل دراسته..."
و ينتقل بنا الكاتب إلى حكاية أخرى حين قرر إذير و مماس أن يزوجا ابنهما أيور من فتاة لا يعرفها، غير أنه رفض هذا الاقتراح "رفض أيور بشدة هذا الاقتراح. فكيف يعقل أن يتزوج أحدا من الآخر دون أن يتعرف إليه من قبل؟" ص:45 لأن أيور أعجب بفتاة أخرى " كان أيور قد أعجب بها من أول نظرة، فدخلت قلبه من حيث لا يدري" ص:45 و لكن حين استفسرا على عائلة بعضهما البعض "اكتشف أيور أن هذه الفتاة ابنة عباس الساعاتي" ص:45 و قد عارض إذير ابنه " تصدى إذير لابنه و لما يجول في ذهنه. فلقد سبق هذا الأب أن تنازل له عن رأيه...و ذلك لما أحدث له مكتبة" ص:47 هنا يحاول الكاتب أن يشير إلى مسألة العناد التي يتصرف بها "إذير" و لعل هذا من ثقافة الانسان الريفي"يطلق الاسم على ساكني مدن شمال المغرب، يتحدثون بالريفية التي هي فرع من اللغة الأمازيغية" أي العناد من أجل العناد فقط ارتباطا بقصة تتداول بالريف "ثوري ثوري".
إن هذا الصراع الذين يجمع بين عائلات و طوائف تجعل الانسان في حيرة، "الانسان ذئب لأخيه الانسان" كما قال "توماس هوبس"، لا مجال لحياة هادئة و هنيئة، إن الانسان يتقاتل مع أخيه الانسان، من أجل أن يحصد الغنيمة، لا شيء آخر، صراع من هو الأقوى، هكذا هم البشر إلا من رحم الحب.
إن النهاية التي ستشهدها هذه الأحداث هو تحدي مني و تحدي القارئ مع نفسه، و بداية البحث عن الذات و الحقيقية، حقيقة الهوية و حقيقة الحب، حقيقة الحياة التي يعيشها الانسان في هذا الكون، العراك الذي تعارك من خلاله نفسك و عقلك، أن تطير في السماء دون أن تدير ضهرك، و تعبر كل السحب و تعانق دفئ الشمس، و يشع القمر أمامك لتغدو في طريقك نحو حقيقتك و دواخلك و نظرتك للحياة. و أنهي كلامي هذا بمقولة لجون راسكن : "يكون الفن جميلا عندما تعمل اليد و الرأس و القلب معا".

تعليقات