الحراك الأمازيغي: تأملات واستفسارات
محمد الزناكي
تكمن ضرورة الإختلاف في المسارات المتبعة ، لمجابهة
التسلط الأحادي والشامل ، في امتلاك أكثر من إمكانية لكشف نهم سيكولوجية السلطة في
استتباب أمنها وإضافة ما يمكن إضافته من أغلفة قانونية –فوقية- تستطيع بها كبح
جماح الأصوات الرافضة لإحتكار السلطة التأسيسية (بالإضافة إلى الثروة والسلطات
الأخرى). إن الإستفاق على التجارب الكونية الأخرى لطريق يوضح أن المهووسين
بالعدالة والمقدسين للكرامة لواعون تمام الوعي بقيمة الإختلاف التي لن تستقيم إلا
بوضعها في قالبها الفطري والصحي والذي هو قالب الصراع سواء أكان الصراع تكامليا أو
كان صراعا للنفي...فلما كان الصراع أصل الحركة: فإنه في ظل التسلط لابد من
المجابهة... إن الأمازيغية رهينة هذا الصراع منذ أن أعلنت نفسها، عن وعي، كمعطى
سياسي يستحيل التجاوز.
يشهد المتتبع للشأن الآمازيغي أن مسار الحركة الأمازيغة
شهد تغييرا في معالم النسق المشتغل ،
وحسبنا أن مرده إلى "بشرى" الترسانة القانونية التي وضعتها
الدولة في سبيل هيكلة كل ما يتعلق ب"الأمازيغية" في وضعها الدستوري
الجديد وما سيليه من مؤسسات وتداولات لامحالة ستفرض أيضا استقطابات وانشقاقات
جديدة، كنتيجة لتوجه القاطرة الرسمية والتي ستحبك مسارا متينا لن تحبذ النزوع عنه.
في الحالة هذه سيكون إيمازيغن مع موعد آخر من كسر مسارهم الإستراتيجي -إن وجد-
والإرتماء في التفاعل مع الفتات السام (إيركام نموذجا) الذي يقتل بدل أن يعطي ذرة
أمل في فعالية الضغط المؤدي إلى تحقيق المطلوب . إنه لمن الضروري أن نذكر هنا أن
الأمازيغية تعني أكثر الديمقراطية وحقوق الإنسان وتصحيح التاريخ وتوزيع الثروة...
قبل أن تعني ترسيما و تعليما ومؤسسات...
هذا القول يستتبع الإستفسار حول حقيقة التغييب
الحالي للأسس المتينة التي بني عليها
الخطاب الأمازيعي بعد تلك المتعلقة بالشق الفكري والقيمي، والمتمثلة مباشرة بأسئلة
السلطة من حيث المبدأ ، بدل الحديث فقط عن سوء استعمالها...هذه الأسئلة تظهر
ملحاحيتها وجوبا عند الخرق السافر المرتكب من طرف الدولة فيما يتعلق بأسس الحكم وفيما
يتعلق بالحسم في مصير القضايا الوطنية إن دستوريا أو اجتماعيا ، هل هذا التغييب
مرده إلى استفحال هاجس الممارسة أم إلى شيء آخر يتعلق بالنوايا أم كذلك إلى
الإقتناع بصواب هذا المسلك على اعتبار ضعف القدرات ورعونة المخزن...إن الإعتبار
الأخير نرفضه من منطق عدم كونه خيارا أو تثبيتا لحرية الإنسان في اختياراته، بل هو
اشتغال مفروض وكل مفروض مرفوض كما يقال.
ثم نواصل لنطرح استفسارا آخر يهم حقيقة الخطابات القائلة
بوجود أزمة اشتغال تتخبط فيها الحركة الأمازيغية ، هل هي أزمة اشتغال؟ أم هي في
الحقيقة أزمة تنظير؟ خصوصا إن أخذنا بمحمل الجد النضالات الديموقراطية التي تخوضها
الجامعة عبر طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية ، وأيضا
تحركات الشارع السياسي والمتجلية في سلسلة من الخرجات والملتقيات. إن ما يؤكد هذا
القول هو تلك التشعبات والتناقضات التي تأخذ كل الإتجاهات الممكنة... والتي منطقيا
وبديهيا ستستقي من وفرة الإشتغال وليس من أزمته، لنصل أنه فعلا أزمة التنظير هي من أفرزت فراغا في خانة المراجع الكبرى التي من
المفروض أن تكون هي المقود الحقيقي لكل التحركات، والسبيل نحو استئصال ورم
الإزدواجية في التفكير المؤدي إلى استفحال الفوضى والصراعات الأفقية
غير المبنية . وفي الأخير سنجد أن عمق القول بأزمة الإشتغال هو في الحقيقة دعوة
(سهوا أو عمدا) إلى الإلتحاق بالركب المفروض كما أشير سابقا.
إن الحراك الأمازيغي الحالي يتضح جليا أنه
يتوجه إلى سلخ الأمازيغية عن الإنسان
الأمازيغي ، أي الإنسان المغربي إن خصصنا المقال حول الحركة الأمازيغية بالمغرب،
فهذا الإنسان محروم اجتماعيا وما يسمح بعدم الشرح أكثر في هذا الصدد ما قاله ذات
يوم الطائر الأزرق محمد خير الدين: "إنني أنحدر من الأمازيغيين، وأكلت من
القصعة نفسها التي أكلوا منها...ينبغي أن ننسى العقلانية الغربية، وأن نعيد مد
الصلات بإنسان القبيلة. فهو في الأخير، من يقوم بالثورة وهو الذي علينا الإنصات
إليه". إن هذه المقولة تحيلنا بلا عسر أن المثقف ليس ذلك الرجل الأنيق الذي
يركب السيارات ولا الذي يحاضر في أجمل القاعات ، بل هو المنغمس في مطبات العيش
ووهن المحرومين وهو من يستطيع التواصل معهم ومعه زاده الفكري والمعرفي...وإسقاطا
على هذا فإنه نشير إلى أن المخزن في إحدى صفاته يعتبر تجمعا للمصالح المشتركة،
التي تترجم القضايا الحساسة التي يثيرها صفوف كثيرة من الشعب بحيث يتم تكييف تلك
القضايا وتحويرها وفق منطق السلطة كي تضمن عقودا أخرى من الإستمرارية ، ولا شك أن
وقود هذه العملية هو تلك النخب المخلوقة وتلك النخب القادرة على القبول بالفتات
على الأقل، فتتجمع المصالح ويشرع في تنفيذ العملية.
إن الواقع يفرض تحيين الخطاب بل تطويره نحو جعله قادرا
على مواجهة التآكل الذي يصيب الفكر الأمازيغي...إن مرجعية الخطاب الأمازيغي ،
والتي تستقي من قيم ثيموزغا ومن عصارة الفكر البشري وكذا من بطولات المقاومين
وكتابات الرواد، لايمكن أن تصبح فقط تزيينا لرفوف المكتبات ، بل تستوجب استحضارها
بشدة وجعلها منطلقات نحو بلورة فعل أمازيغي جاد واستراتيجي. فمثلا ما موقع الحركة
الأمازيغية من المعارك الجماهيرية التي تهم قطاعات التنمية من قبيل الصحة والتعليم
والشغل؟ نعتقد أنه آن الأوان لنعكس الفهم حيث لا أمازيغية بدون ديمقراطية.
كان هذا في سبيل التخوف من الوقوع فيما قاله وليام موريس
في كتاب "حلم جون بيل" : " أتأمل في كل هذه الأشياء : كيف يناضل
الناس ويخسرون ثم يأتي ما ناضلوا من أجله على الرغم من هزيمتهم ، ولكن بحلوله
يتبين لهم أنه ليس ما حاربوا من أجله، ثم يواصل آخرون النضال من أجل ما عنى
الأوائل تحت أسماء أخرى "

تعليقات