القائمة الرئيسية

الصفحات

الحركة الثقافية الأمازيغية من داخل الجامعة المغربية (2)


الحركة الثقافية الأمازيغية من داخل الجامعة المغربية (2)

عماد لبوز

استكمالا للكتابات التي تناولت مكون الحركة الثقافية الأمازيغية من داخل الساحة الجامعية، وتفسير مختلف أسس ولبنات ومبادئ مرجعيتها الفكرية، خطابها الفلسفي و العلمي وتصورها السياسي والنقابي من داخل منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لابد من تتمة بعض النقط الأساسية التي تتمحور حول مجموعة من المستجدات التي تعيشها الجامعة المغربية ، بالإضافة إلى أمور أخرى مستحدثة تهدد مبادئ الاستقلالية والجماهيرية والديمقراطية الذين يشكلون ركائز قوة ومتانة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، مما تستدعي الخوض في ماهيتها من خلال رؤية مكون الحركة الثقافية الأمازيغية لتنوير العقل الطلابي وتوجيهه نحو المسار الصحيح في تقرير كل ما قد يساهم في تحسين وضعية الحياة الجامعية والتكوين الأكاديمي والعلمي للطالب المغربي.

 

1)   الحركة الثقافية الأمازيغية ومخططات "التربية والتكوين"

يعتبر قطاع التربية والتعليم جوهر تقدم وتطور أي مجتمع يهدف إلى تكوين أجيال متعلمة ومثقفة،قادرة على تتمة مسار بلورة رؤى  شاملة وعملية لمختلف الإشكالات والقضايا التي يتخبط فيها المجتمع والمؤسسات المرتبطة به الهادفة إلى تسهيل سبل عيش المواطنين و تعايشهم مع مختلف الفئات المجتمعية،  وكذا لتغطية مختلف الاختلالات التي قد تعوق وتعرقل بناء مجتمع حداثي، معاصر و متقدم،  يحافظ على حضارته المتميزة ويساهم من خلال تنميتها وصيانة تراثها ومآثرها في خدمة الإنسانية جمعاء.

         أ)  على مستوى الشكل: إن إعداد أية سياسة عمومية معينة يستوجب الأخذ بعين الاعتبار العديد من العناصر والقواعد، لكون هذه السياسة موجهة بالدرجة الأولى للمواطنات والمواطنين، وتحدد مصير الأجيال الحالية والقادمة على حد سواء، وبالتالي إشراكها في إعدادها ضرورة أساسية لإنجاحها وتثمين محتوياتها. وهذا ما لم نلمسه في مختلف السياسات التي يعدها النظام السياسي المغربي، لكون الفوقية و العمودية في تدبير وتسيير الشأن العام تعتبر من ثوابت هذه السلالة الحاكمة الفاقدة للشرعية الجماهيرية والمشروعية التاريخية، مما كرس احتكار مختلف المجالات الحياتية ومختلف دواليب تسيير المؤسسات.

 وبالتالي فمطلب إقرار دستور ديمقراطي على مستوى الشكل (نابع من إرادة الشعب المغربي بمقاربة تشاركية مسؤولة و ليس بتشكيل لجنة خاضعة من هرم السلطة لصياغته) وعلى مستوى المضمون (يقر بالهوية الأمازيغية للمغرب مع احترام مختلف الروافد التي تعايشت مع الحضارة الأمازيغية عبر التاريخ ومنحهم الحق في ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم) يمنح استقلالية مختلف المؤسسات، ومنها أعلى مؤسسة تهتم بمسائل التربية والتكوين بصلاحيات متعددة من أجل إعداد برامج بيداغوجية تستوفي مختلف المعايير الدولية والتجارب المقارنة الناجحة في النهوض بمنظومة التربية والتعليم. دون إغفال شرط الحفاظ على خصوصيات هوية الشعب المغربي.

ب) على مستوى المضمون: إن الأزمة التي يعيشها قطاع التعليم بالمغرب جعلت العديد من الباحثين والمحللين التربويين يرجعونها إلى كونها أزمة بنيوية ترتبط بالخصوص بنوعية منظومة التعليم بالمغرب، و بعمق برامج التربية، التعليم والتكوين التي يطغى عليها طابع الوصاية من لدن من لهم مصلحة في استمرار الإيديولوجية السياسية لجهاز الدولة. والتبعية في تقليد بعض النماذج الغربية خصوصا فرنسا، دون احترام خصائص الذات المغربية الحقيقية كـ:

التــاريخ: تزوير التاريخ الحقيقي للدولة المغربية وربطه فقط بتاريخ السلالة الحاكمة حاليا، مع العلم أن تاريخ الدولة المغربية يمتد لقرون عدة ارتبطت بتعاقب العديد من الممالك الأمازيغية التي تم إنكارها في برامج التربية والتكوين، وإغفال كل الشهداء الحقيقيين الذي ضحوا في سبيل التحرر من قيود وأغلال الاستعمار. والطامة الكبرى أن مختلف المقررات مليئة بشخصيات الحركة اللاوطنية التي كانت سببا وراء الاستقلال المشروط بالتبعية والخضوع لمختلف الدول التي كانت مستعمرة للبلاد والدول الأخرى التي كانت تدعم هذا الاستعمار، أو كما أطلق عليه شهيد المقاومة المسلحة مولاي موحند (محمد بن عبد الكريم الخطابي) بالاحتقلال.

الـلـــغة: يقول عالم المستقبليات المغربي الراحل المهدي المنجرة في حديثه عن واقع "منظومة التعليم بالدول العربية" بأنه ''لا توجد أمة نهضت وتقدمت دون الاعتماد على اللغة الأم''، واستشهد على ذلك بالنموذج الصيني الذي يعتبر نموذجا عالميا ناجحا لكون الدولة الصينية اعتمدت على لغتها الأصلية في صياغة مختلف سياساتها واستراتيجياتها في التنمية. فالتدريس باللغة الأمازيغية وبحرفها تيفيناغ وفي مختلف أسلاك التعليم يشكل مطلبا جوهريا للحركة الثقافية الأمازيغية من أجل رد الاعتبار لهذه اللغة الحية التي بينت مختلف الدراسات الميدانية في مدارس التعليم الابتدائي عن مدى سهولة تعلمها من قبل الأجيال الناشئة، ومدى حبهم وعشقهم في تعلمها، لأنهم يجدون فيها كيانهم الحقيقي ويلامسون في واقعهم اليومي (داخل الأسرة، و داخل المجتمع). عكس التعريب الذي أبان عن فشله و عجزه عن تقديم الإجابات التي كانت منتظرة من قبل من نهجوا تعريب قطاع التعليم بالمغرب، مما يوحي بأن هذا التعريب كان سياسية ذات أبعاد غير أبعاد التنمية والتطور والتقدم، فلا إشكال في توظيف لغة معينة إن كانت فعلا ستساهم في رقي المجتمع وتثقيفه، لكننا نرفض توظيف السياسة اللغوية من أجل الاستلاب الثقافي و الهوياتي.

الإنسان،الأرض والثقافة : في تفسيره للهوية، يجسد الفيلسوف هيغل ثلاثة عناصر مشكلة للهوية، الانسان،الارض والثقافة، وهذه الأخيرة تعتبر في نظره مجموعة من المميزات والخصائص التي تميز كل شعب عن الشعوب الأخرى، وبالتالي فهو محدد يقر فعلا بوجود تنوع هوياتي عالمي على مستوى العادات والتقاليد والأعراف التي كانت تشكل قوانين داخل القبائل الأمازيغية بالمغرب، وكانت تصاغ بعد مشاورة مختلف الفئات والشرائح المجتمعية الساكنة بهذه القبائل. فمثلا كان حد معاقبة القاتل أو السارق هو تهجيره من القبيلة، ونحن نعلم جيدا أن تغريب الأمازيغي عن أرضه و قبليته وموطنه يشكل بالنسبة له قتلا نفسيا يجعله يندم دول حياته عن الأفعال التي ارتكبها.

فمن خلال برامج التعليم التي صاغتها مختلف الحكومات التي تعاقبت على تسيير هذه البلاد تم إهمال هذه العناصر الثلاث، وتم إخفائها عن الشعب المغربي حتى لا يعي بذاته الحقيقية وحتى لا يفهم مدى لامشروعية الدولة، لأن الانسان الذي يخفي شيئا معينا يعتبر ذلك الشيء غير مشروع، فإما أنه سرق أو أنه مكتسب بأساليب تحايلية أخرى.

2 )      الحركة الثقافية الأمازيغية و"العنف من داخل الساحة الجامعية"

"انتقلت" الجامعة من قلعة للتحصيل العلمي والنقاشات الفكرية والسياسية المعقلنة والعلمية المبنية على الاستدلال المنطقي والفلسفي، إلى ساحة للاحتراب والاقتتال المباشر بين المكونات الطلابية وغير المباشرة بفبركة مواجهات مادية مع أجهزة المخزن من طرف بعض المكونات التي تعقد صفقات سياسية مع بعض الأطراف السياسية الخارجية بهدف نقل تصفية الحسابات السياسوية الضيقة لحرم الجامعة، وبالتالي النجاح في الضغط على بعضها البعض من أجل الاستسلام السياسي والرضوخ لمطالبها، الأمر الذي يعرقل مسار التكوين الجامعي السليم والملائم وخلق أجواء من الرعب والفزع والخوف في الأوساط الطلابية، مما أدى في حالات عدة إلى توقف العديد من الطلبة عن التمدرس ومغادرة الجامعية حماية لسلامتها.

أ)  دواعي الاحتراب والاقتتال بالجامعة: من وجهة نظر نفسية، هناك أنواع متعددة ومختلفة من العنف، كالعنف الأسري، العنف المهني، العنف السياسي..، يضاف إليها العنف الجامعي، وبصفة عامة يعتبر العنف مفهوما شاملا وجامعا لهذه التفريعات، مما يعقد ويصعب من تحديد طبيعته، فمن جهة أولى، نظرا لتعدد أشكاله واتخاذه أوجها ومظاهر تتميز بكثرة التعقيد والتنوع حسب الظروف والمجالات. و نظرا – من جهة ثانية- لتداخله مع مفاهيم أخرى كالقوة و السلطة والإرهاب و العدوانية والغضب...فالعنف الجامعي أصبح إن صح التعبير ظاهرة اجتماعية تحتل مكانة مهمة ضمن أجندات النقاشات التربوية والسياسية من داخل المؤسسات المعنية لوضع حد للظاهرة من تنامي وتيرتها، لكنها ستبقى في آخر المطاف حلول ناقصة وقسرية بفعل القانون، لكونها لم تأخذ بعين الاعتبار الشرط الذاتي والمتعلق بالمعنيين بالأمر، بمعنى المكونات الطلابية التي تتبنى العنف في مرجعياتها الفكرية والسياسية (العنف الثوري، الجهاد) من داخل الساحة الجامعية بالرغم من نكرانه على مستوى خطاباتها.

فالعنف الجامعي ما هو إلا نتيجة للتعصب للرأي وتقديس المرجعيات الفكرية، مما يجعل بعض المكونات الطلابية تلجئ إلى القوة والقهر من أجل إثبات ما لم تستطع إثباته بالمنطق والعقل والحجة العلمية، فمصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي" يعرف العنف بأنه ''لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين، حيث يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي، وحين تترسخ القناعة لديه بالفشل في إقناعهم بالاعتراف بكيانه وقيمته. والعنف هو الوسيلة الأكثر شيوعاً لتجنب العدوانية التي تدين الذات الفاشلة بشدة، من خلال توجيه هذه العدوانية إلى الخارج بشكل مستمر، أو دوري وكلما تجاوزت حدود احتمال الشخص''.

بالإضافة إلى أن هناك قناعة تتولد لدى بعض المكونات الطلابية، بكون مراجعة الخطاب والمرجعية الفكرية، والحلول ذات الطابع السلمي في الممارسة السياسية والنقابية من الأمور المستحيلة التي يمكن أن تقوم بها، يتمخض عنها اللجوء إلى العنف لتبرير دوافعها وتنفيذ خططها السياسية لغرض إخضاع المكون الآخر لمطالبها.

ب) مقترحات الحركة الثقافية الأمازيغية: الحركة الثقافية الأمازيغية تؤمن بمبدأ قوة الحجة والدليل والتبرير المنطقي لمختلف القضايا التي يمكن أن يخوض في أمرها الطالب من داخل الساحة الجامعية ، سواء أكانت تصب في نفس المرجعية الفكرية التي تتبناها الحركة، أو تتناقض معها، شرط أن يكون الدفاع عنها بأسلوب علمي راقي، مسالم و ممنهج، وعدم السقوط في فخ الاستعمال السلبي والمنحرف للقوة المادية أو الجماهيرية، فعلى العكس فهي تدعو دائما مختلف المكونات الطلابية إلى استثمار قواعدها الجماهيرية وتأطيرها تأطيرا معرفيا وسياسيا يساهم في رقي الحركة الطلابية المغربية إلى الأمام، وتحقيق المطالب العادلة والمشروعة لها، وذلك وفق ملفات مطلبية موحدة ومتعددة لأن المشاكل التي تعيشها الجامعة المغربية متشعبة وتمس مختلف الهياكل والمستويات، وبالتالي كتمهيد الأرضية لهذه الأمور وجب القطع مع مختلف أشكال العنف (الرمزي، المادي) عبر توقيع ميثاق شرف ضد العنف والإقصاء يقر عمليا وفعليا بمبدأ سلمية نضالات هذه المكونات، واحترامها لمختلف المرجعيات الفكرية العاملة من داخل نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

3)   تصحيح وعقلنة نضالات الحركة الطلابية

أ)  تصحيح ماذا؟: ربما أن هذا السؤال سيتبادر إلى ذهن أي طالبة و طالب جامعيين بخصوص نوعية التصحيح الذي تتحدث عنه الحركة الثقافية الأمازيغية. وهو بطبيعة الحال تقديم رؤية تصحيحية لنضالات الحركة الطلابية بخصوص الحلول والمشاكل والمعضلات التي تعاني منها الحركة الطلابية المغربية، فرؤية معظم مكونات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تقصي إشراك باقي المكونات الأخرى في الإقرار الجماعي بطرق حل الأزمات التي تتخبط فيها هذه المنظمة النقابية، وإن فعلوا فكل مكون ينطلق من مرجعيته الفكرية والسياسية مما يكرس من حدة الأزمة وتفاقم سوء الأوضاع، مما جعلت حلول أوطم مرهونة فقط بالعودة إلى مرجعيتها الفكرية وتصورها السياسي والنقابي، مما قد يسقط القاعدة الجماهيرية في فخ الاستغلال السياسي والاسترزاق بها عن طريق عقد صفقات سياسية مع بعض المكونات السياسية العاملة من داخل النسق المخزني.

ب)     ركائز عقلنة نضالات الحركة الطلابية: إن تراجع الوعي السياسي لدى الطالب المغربي وكذا القيم النضالية التي كانت تجمع الطلبة لحد قريب من تعاطف وتآخي وتعاون...الخ، يستوجب من مختلف المكونات الطلابية العمل على التجديد والتحديث في أشكالها النضالية وبطبيعة الحال وفق شروطها الذاتية والموضوعية إن كانت فعلا تؤمن بدينامية الحياة البشرية وتطوير دعامات ترسيخ الوعي الثقافي (استعمال التكنولوجيات الحديثة، الاطلاع على الإصدارات الجديدة في مجالات الفلسفة والأدب والعلوم الإنسانية لتحسين فن الخطاب وعقلنته والابتعاد عن الأسلوب السفسطائي)، وبالتالي الرفع من مستوى الوعي السياسي لدى لطلبة و الرقي بمنسوب الحس النضالي لديه ، وتحسيسه بمدى خطورة الاستهدافات الداخلية (استغلال الوضع لتمرير الإيديولوجية السياسية، الركوب على الإرث النضالي، تصفية الحسابات السياسية بين المكونات في عز الأزمة، تكريس ثقافة العنف و الميوعة وعدم الاحترام بين الطلبة...) وكذا الخارجية التي تطال الحركة الطلابية و تسعى إلى توجيهها نحو مسار يجعل هذه القوة الخارجية هي المهندس و المقرر الحاسم في مختلف المشاكل التي تعيشها الجامعة المغربية، ولكي يتأتى لهم هذا الأمر وجب التوافق مع مكونات من داخل الساحة الجامعية لحمايتهم هذه الجهات خارجية أكثر مما يخدم مصلحة الطلاب المغاربة.

     ختاما، يمكن القول بأن التعددية مبدأ ضروريا لاستمرار البشرية، ونحن بحاجة إلى الآخر لتجسيد أهدافنا ومبتغياتنا، كما أننا بحاجة إليه من أجل معرفة أخطائنا وزلاتنا، بالإضافة  إلى أنها تعد من قواعد الديمقراطية ، لكن التوظيف السياسي لهذه التعددية – عبر تبني مرجعيات و اديولوجيات تناقض الطبيعة الذاتية والموضوعية للطالب المغربي – أفرغ بعض المكونات السياسية من أي محتوى نضالي، مما جعلها توظف تواجدها من أجل العمالة كوسطاء سياسيين مدفوعي الأجر وعرقلة كل ما من شأنه أن يساعد على وحدة الصف الطلابي، هذه الأمور وغيرها تمهد لنضج الشروط الملائمة للإجهاز على ما تبقى من تيارات جذرية في صفوف الحركة الطلابية المغربية ...من هنا ، فإن الوحدة الطلابية حاجة ضرورية لتقوية الصف الطلابي ومنع اختراق الحركة الطلابية.

 

تعليقات

التنقل السريع