القائمة الرئيسية

الصفحات


نقد النخبة الامازيغية

إذا كانت النخبة الامازيغية الكلاسيكية بالمغرب طيلة سنوات نضالها قد استطاعت أن تراكم إرثا نضاليا لابأس به، فإنه من المفروض وفي ظل الواقع المعاش بما يعرفه من حركية و تحولات، على الحركة الامازيغية أن تمس مستقبل و حاضرها في ظل الهيمنة التي تعيشها من طرف هذه النخبة، و تتعلق بتحديد تأثيرها و أهدافها و مصائرها، ولا يفيد هنا التهويل كما لا يفيد التهوين، و يستدعي هذا الوضع ان تبقى المناقشة على أعلى درجات المسؤولية و الموضوعية بعيدة عن الشطط و المغالاة و عن اليأس والتيئيس، وكي لاتتحول المراجعة إلى حافز للتخلي عن الأهداف الإستراتيجية للحركة الامازيغية والى التنكر للذات من جهة أو إلى نبوءات كاذبة من جهة أخرى، بل إلى مخاض وولادة نخبة مثقفة جديدة تستجيب لتطلعات الحركة الامازيغية بعيدة عن الانتهازية و المتاجرة بالقضية.
عند فتح نقاش حول النخبة لابد من الرجوع إلى المعطيات النظرية لمحاولة تحديدها و التعريف بها من اجل فهم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها.
النخب فاعل اجتماعي قوي، تتمتع بسلطات اجتماعية أو ثقافية او سياسية أو اقتصادية واسعة، كما تتمتع بوضع اعتباري امتيازي يسمح لها بالتأثير في مجرى الأحداث وبالتالي خلق شروط التغيير أو كبح جماحه ورفضه، أو على اقل تقدير في الدعوة إلى عرقلته و معارضته.
نشأ مفهوم النخبة بالذات، و هو يخفي او يستنبط فرضية التغيير الاجتماعي، في مرحلة تاريخية انعطافية من تاريخ المجتمعات الاروبية الحديثة، وقد أبان لدى المنظرين و الباحثين الذين استخدموه و استعانوا به في تحليل و ضبط التحولات الكبرى للمجتمعات الصناعية منذ السنوات الأولى من القرن العشرين و عن كفاءات إجرائية عالية و طاقات نظرية مرموقة و ناجحة في تتبع مفاصل التغيير في المجتمع الحديث.
إذا اعتبرنا أن المجتمع هو الوسط الطبيعي لميلاد النخبة المثقفة و بالتالي لميلاد المثقف بالمعنى الحديث لهذا المفهوم، وإذا قمنا بتحليل واقع المجتمع المغربي نجد:
-خضوع المجتمع المغربي التقليدي للوصاية الإيديولوجية و الثقافية من طرف الدولة.
- تدخل الدولة في الحقل الاجتماعي بإعتبارها الفاعل الاستراتيجي الأول أو ألحصري في بعض الحالات، في صنع و ترتيب قواعد الارتقاء الاجتماعي للنخب المختلفة، و لايتمتع المجتمع في هذه الحالة بأي استقلالية.
إذا أخذنا الشروط الموضوعية/المجتمع نستشف أن ميلاد مثقف حقيقي بعيد المنال، وهذا لايمنع المثقف نفسه أن يقود حركة تصحيحية على نفسه و الواقع المعاش لانضمامه إلى الفئات العريضة للمجتمع.
عندما نغوص في محاولة الإجابة عن مفهوم المثقف نجد مساهمات عدة في هذا الجانب مثلا، غرامشي الذي يصفهم بأولئك المتورطين بصورة فاعلة في المجتمع أي أولئك المكافحون بصورة فاعلة و ثابتة في المجتمع من أجل تغيير العقول و الأفكار و الارتباط العضوي بالفئات العريضة للمجتمع. ومن خلال قراءتنا لبعض التجارب نجد المثقف مثلا الفيلسوف البنيوي ميشيل فوكو الذي كان يتظاهر في الشوارع الباريزية لمعانقة هموم الفئات المهمشة والى عالم الاجتماع الفرنسي المتميز بيربورديو بمشاركته الفعالة في المظاهرات و مساندته للحركات الاحتجاجية المناضلة.
و لايذهب محمد عابد الجبري بعيدا عن التعريفات السابقة رغم الذات المفكر تحمل نقط سوداء تجاه الحقيقة الهوياتية للمغرب، إلا انه قال كلاما معبرا: إن المثقف يتحدد وضعه لا بنوع علاقته بالفكر و الثقافة وحجم المعارف التي اكتسبها ولكن يتحدد وضعه بالدور الاجتماعي السياسي الذي يقوم به في المجتمع أو كصاحب رأي أو قضية وعن مدى استعداده للدفاع عنها حتى الموت في سبيلها، وفي هذا الصدد استحضر مقولة للشهيد القضية الامازيغية "معتوب لونس" اني أفضل الموت من اجل افكاري عوض طريح الفراش المرض و الشيخوخة.
و هنا يثار السؤال من خلال أي تعريف من التعريفات تنعكس صورة المثقف الامازيغي، وفي محاولة الاجابة عن هذا السؤال يكون الجواب غير مفرح مقارنة بصورة المثقفين الحقيقيين فصار الباحث عن حلول مشاكل القضية الامازيغية، يشكل بدوره مشكلا زائدا على القضية الامازيغية وذلك ب:
- انغلاق عقل النخبة الامازيغية الكلاسيكية داخل أطروحات و قضايا تبلورت في وضع وحقبة معينة، فأصبحت هي التي تتحكم برؤية العقل للواقع و تمنعه من تحديد أدواته و طرائقه بالاحتكاك مع التجربة المتغيرة و الملاحظة المباشرة و تجعله لا يعيش الواقع إلا على مستوى القضايا و الأفكار المصاغة مسبقا، مما يمكننا القول بأن عقلية النخبة الامازيغية الكلاسيكية سكولستيكية.
- محاربتهم لأي اجتهاد فكري أو سياسي أو اجتماعي أو تنظيمي داخل الحركة الامازيغية.
- التشبث بمواثيق تأسيس الحركة الامازيغية و الدفاع عنها دون فتح نقاش من جديد حول تجديد الخطاب و مواكبته للمستجدات، و ذلك من اجل مصلحتهم الشخصية باعتبارهم المؤسسين الأوائل، و ذلك من اجل مد طريق المنفعة الشخصية.
- تدبير الاختلاف بمنطق السيكولوجية وإعلان الحرب بينهم
- فتح جبهات خاسرة مع مجموعة من الأطراف مع العلم أن الحركة الامازيغية في غنى عنها.
- التعالي على المناضلين الشرفاء و استصغار شأنهم بإسم الرأسمال الرمزي أو السياسي و يعتقد انه ادري بمصالح القضية الامازيغية.
- التحاق جل منهم بمؤسسة استشارية مخزنية
IRCAM
- التحاق البعض منهم بالإطارات المدنية و السياسية المشبوهة.
- عقد تحالفات مع مجموعة من الاحزاب باسم الحركة الامازيغية مع العلم كانت ولازالت هذه الدكاكين السياسية مسترزقة على القضية الامازيغية.
- من خلال تسليط الضوء على الحراك الشعبي الذي شهده المغرب و الذي شاركت فيه الحركة الامازيغية بقوة، من حقنا أن نتساءل ما موقع وأي دور لعبته هذه النخبة الامازيغية الكلاسيكية في هذا الحراك الشعبي.
امام هذا الواقع المر الذي تعيشه النخبة الامازيغية الكلاسيكية، لابد من تجاوزها وضخ دماء جديدة لمواكبة المستجدات والتطلعات وذلك بتجديد الخطاب و صياغة المشروع المجتمعي و بناء تنظيم سياسي بنخبة امازيغية شابة ذات كفاءات عالية و ذات ارث نضالي مشرف ولم يسجل عليها أي مراوغات انتهازية قادرة على دفع الحركة الامازيغية إلى المشاركة في التحول من اجل التجاوز.

سعيد التغدويني

تعليقات

التنقل السريع